تعديل المادة 409 من قانون العقوبات ضرورة مُلحة

ريبورتاج 2022/03/13
...

  قصي الطيب
قد لا يؤدي نكوص المفاهيم المجتمعية في بعض الأحيان إلى ترجمة حالات إنسانية معاشة بنحو يومي، سائق الشاحنة المتوجه إلى عمله صباح كل يوم مثلا، لا يعيبه تركه حمولته مكشوفة للعراء، يمسح غبارها المارّة، ولا الجندي في المعارك، برغم إزهاقه المئات من أرواح أضداده الجنود، فعلى الغالب، لا وجعَ يوكز ضميره حين يكتشف بأن معركته باطلة، وأن الدماء التي أريقت محض كذبة وافتراء، وغير هذه الأمثلة كثير.
 
 لكن إزهاق أرواح قوارير حسناوات وعذراوات، وفق مسمى «غسل العار» فقط على الظنِّ والشبهة، لا يزيح قيد أنملة عن موضع مرتكبي هذه الجرائم، «المغطاة قانونياً»، للأسف الشديد، بل إنِّ العقل الجمعي ينساقُ نحو أحقية ارتكاب هذه الفظاعة «القديمة الجديدة» صوناً للعرض والعشيرة، بينما يبقى دم القتيلة (الضحية) يئن على حِراب ناحريها وهم متوسدون أغمادها يرقصون على وقع الفجيعة.  
مشاهد لا تُحصى وقصص القتل المُشرعنْ تحت يافطة (غسل العار) لا نبالغ لو قلنا إنها تتوزع على مجمل خريطة البلاد شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، فهي جرائم لا تعترف بتركيبة الأسرة من زاوية الموروث الطبقي أو القبلي، بل تعدتها لتصل إلى مديات تتسع يوماً بعد يوم، لتصبح أكثر خطورةً وتمادياً من دون محددات قضائية ملزمة وكفيلة بأن تضع مرتكبي هذه الجرائم تحت طائلة العقوبة القصوى.
 
شاهد
 «أي مأساة تلك أعظم من أن ترى جثة فتاة عروس مرمية على قارعة الطريق، حيث تغطيها الدماء والقاتل هو زوجها بداعي الشرف، يُقام له عرسٌ، وتطلق له العيارات النارية عرفاناً من بني عمومته وشكراً لكونه أزاح عن بياضهم الناصع براثن الفحشاء، ليتضح فيما بعد أن العروس باكر، وعدم خروج الدم عند مواقعة الزوج لزوجته القتيلة، كان نتيجة اضطراب الغشاء المطاطي ليس إلا»، هذا كان من بوح مصطفى الجبوري من سكنة قضاء المحمودية جنوب العاصمة بغداد، إذ كان شاهداً على هذه القصة
المريعة.
ويعزو أغلب الذين التقيناهم الازدياد الملحوظ لجرائم الشرف، إلى الضعف الواضح في تطبيق القانون، ما يتطلب تعديل فقرات المادة 409، وجعلها حكماً مشدداً في حال التحقق من بيان الطب
الشرعي.
بينما الباحثون الاجتماعيون، يرون أنَّ «العصبية القبلية تلجم مرتكب جريمة غسل العار عن طريق الشك ليس إلا»، وهذا ما جعل الكثير من النساء يُقتلن بدافع الشك والريبة فقط.
يقول الباحث الاجتماعي هيثم جار الله، إن «كثيراً من الحالات المسجّلة في البلاد بما يتعلق بغسل العار، تندرج تحت يافطة «انتحار» خوفاً من ملاحقة الجاني قانوناً «وإن كانت غير رادعة» لكنها توجب التطبيق، ولا بد من احترام فقرات القانون مهما كانت. 
سألناه: ما الأدوات التي تستخدم عادة في قتل الضحايا من الفتيات؟ فأجاب جار الله، «الأسلحة النارية، والسلاح الأبيض، وفي بعض الحالات يتم إضرام النار في جسد الفتاة، ثم تبلغ السلطات بانتحار الضحية للتغطية على الجريمة، وكثيراً ما تذهب دلائل القتل العمد بفعل احتراق الجثة
وتشوهها».
 
زيتٌ على النار
السوشيال ميديا، قد تكون سبباً مضافاً لقتل الضحايا من الفتيات، وذلك لعوامل عدة أهمها، استغلال العاطفة لدى أغلب النساء، ثم استدرارها عبر وعود وهمية لا ترى النور، ثم يقع
المحظور.
فبحسب مركز الإحصاء الرقمي، فإن أكثر من 19 مليون شخص يستخدمون الفيس بوك في العراق، أي ما يشكّل 48% من السكان، وتمثل المرأة نسبة كبيرة من مجموع
المستخدمين.
 
و للقانونيين كلمة
يرى المحامي علي جاسم، أن هذه الجرائم «مغطاة قانونياً»، بحسب المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، إذ منحت الحق للرجل، بتطبيق القانون بنفسه مع منحه عذراً مخففاً للعقوبة. 
وقد يُعاقب لمدة سنة مع وقف التنفيذ أو بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبسها بالزنى، أو وجودها في فراش واحد مع شريكها، فقتلهما في الحال أو قتل أحدهما أو اعتدى عليهما أو على أحدهما اعتداءً أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة»، مضيفاً «في حين لم يتطرق القانون إلى الحالة المعاكسة، أي لو فاجأت المرأة زوجها في فراش وقامت بقتله أو إيذائه، كون المشرّع لم يمنحها عذراً مخففاً، الأمر الذي يعد مخالفاً لأحكام العدالة وتمييزاً بين الحقوق للطرفين ويتناقض مع أحكام المادة 14 من الدستور التي تؤكد أن العراقيين متساوون أمام القانون من دون تمييز».
 
دمٌ يُراق والجاني طليق
 ذكرت منظمة العفو الدولية أن «معظم ضحايا جرائم الشرف من النساء والفتيات اللائي يعتقد أقاربهن الذكور وغيرهم أنهن جلبن «العار» لأسرهن بسبب سلوكهن غير الأخلاقي»، وكثيراً ما تكون هذه الاتهامات لأسباب واهية ولا تعدو كونها مجرد شائعات. 
وفي كثير من الأحيان يُقدم على ارتكاب «جرائم الشرف» ذكور من أفراد الأسر التي تنتمي إليها الضحايا من النساء والفتيات، اعتقاداً منهم بأن مثل هذه الجرائم تسترد شرفهم وشرف
أسرهم.
يقول المحامي بشار المعموري، إن «العنف الأسري يمثل مشكلة كبيرة في العراق، إذ تتعرض واحدة من كل 5 نساء عراقيات للعنف الأسري البدني، بحسب دراسات منظمات حقوق الإنسان. 
وهذا ما يحظره الدستور العراقي، وينبذ كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة، لكن عندما يصطدم الدستور بأعراف العشائر، بالتالي فإنه لا يمكن التصدي لحالات العنف، ما يؤدي إلى اختراق البنود الدولية وانتهاك حقوق
الإنسان». 
مضيفاً «وطيلة السنوات الماضية، لم يتمكّن العراق من إقرار قانون العنف الأسري لحماية المرأة والطفل، على الرغم من الحوادث التي تشهدها البلاد من حين إلى آخر، والتي تؤدي إلى مقتل بعض النساء تحت عنوان جرائم الشرف. 
إذ كانت الأحزاب الدينية أكبر العقبات التي حالت دون تمرير القانون».المحامية عفراء جليل لم تبتعد كثيراً عما ذكره المعموري، إذ أكدت «يجب إنزال أقصى العقوبة بحق مرتكبي جرائم الشرف على الظن والشبهة فقط، دون القطع بارتكاب هذه الفاحشة التي حرمها الشارع المقدس والدين الحنيف، داعيةً القائمين على مواقع المسؤولية، إلى تعديل المادة 409 من قانون العقوبات، لتكون أكثر مواءمة مع ما نراه ونسمعه من قتل مُشرعنْ بحجة غسل العار، بينما القاتل طليق ينفث ذكورته مترنحاً بين أفراد
قبيلته».
 
لم تنصفها حتى قوانين الجوار
الهجرة والتعاطي الاجتماعي في دول أوروبا والجوار، يدفعان أيضاً نحو مزيد من الشقاء، فظاهرة قتل النساء بحجة غسل العار، هي أبرز ظاهرة متفشية بين اللاجئين الشرقيين في أوروبا، حسب قراءات مطلعة، ويُعتقد أن هذه الظاهرة مرتبطة بشكل مباشر بالتربية الموجودة في المجتمعات
الشرقية. 
فكما يقول ناشطون، إن «اللاجئين إلى دول أوروبا، وخاصة النساء، يعانون كثيراً من عنصريي تلك الدول، وهؤلاء العنصريون يكرهون وجود اللاجئين في بلادهم، مع هذا فتأثيرهم ضعيف على حقوق اللاجئين، لكنهم من الناحية النفسية يثقلون
كاهلهم».
مضيفين إن «العديد من النصوص القانونية في بعض البلدان العربية تتجاوب مع فكرة غسل العار، إذ إن هناك تشريعات تصدر حكماً مخففاً، وبعضها الآخر لا يصدر حكماً على الإطلاق ضد القاتل في جرائم الشرف».
وبحسب القانون المصري، إذا ضبط الزوج زوجته مع شخص غريب يستطيع الاستفادة من تخفيف العقوبة، إذْ قد تصل عقوبته إلى الحبس من سنة إلى 3 سنوات، وفقًا للمادة 237. 
وتنصّ المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي على أنّ «كل من فاجأ زوجته في حالة تلبّس بالزنى، أو فاجأ ابنته أو أمه أو أخته متلبسة بمواقعة رجل لها وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو يواقعها أو قتلهما معاً، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية أو بإحدى هاتين
العقوبتين».
الخلاصة.. اجتذار قيم الجمال في عروق الأبناء أقوم وأفضل بكثير من الإيغال بالوحشية وإرضاعها أفواه القبيلة، ومفردة «تبيّنوا» قبل اتخاذ القرار تنقذ أجيالاً من بناتنا، اللواتي سيصبحن أمهات الغد. 
وهذه دعوة للمشرعين القانونيين والقائمين على مواقع المسؤولية، بأن يتم تعديل فقرات المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وبأن يتم تشديد العقوبة على مرتكبي هذه الجرائم، لننقذ ما تبقى من حُلم.