{أفعى جلجامش} أنموذجاً

ثقافة 2019/03/16
...

 شكر حاجم الصالحي
 
ما عليك إلا أن تقرأ قائمة إصداراته لتجد أن ما أقوله عن منجزه لا يجافي الحقيقة ولا يقع في خطل المبالغة والادعاء ، فهو يتفرد من بين أقرانه في منهجه النقدي ، الذي يستمده من تخصصه الأكاديمي في التحليل النفسي ، وما من مرة قرأت له إلا وأضاف الى ذخيرتي معرفة أفتقدها وزادني بهجة بما يحققه من إبداعات في اشتغالاته المميزة ، وحسين سرمك حسن المثابر على الكتابة النقدية لا يكفّ عن ملاحقة الأبداع العراقي وضبط توهجاته وفق رؤية نقدية فاحصة وكاشفة عن جدارة هذا الإبداع وتميزه ، وها هو يتحفنا بإصداره الجديد ــ أفعى جلجامش وعشبة الحطاب الجديدة وهو مجموعة دراسات نقدية في منجز جواد الحطاب الشعري والنثري ، والحطاب كما نعرف شاعر له حضوره في المشهد الشعري العراقي اذ يستحق اكثر من قراءة فاحصة وإضاءة لمجمل انجازاته المنشورة .
و “ أفعى جلجامش “ بفصولة الخمسة يلاحق تجربة الحطاب ثم يختم الكتاب بحوار ممتع مع الحطاب يكشف عن مكونات النشأة الأولى ووجهة نظر بما يجري من تفاصيل في راهن الثقافة العراقية .. ولابد هنا من الإشارة الى عنوانات فصول الكتاب للأهمية وضرورة القراءة فهي كالآتي:
الفصل الأول : عشبة جلجامش .. وأفعى الحطّاب الجديدة
الفصل الثاني : فندق الموت والخلود
الفصل الثالث : نرسيس الحطّاب
الفصل الرابع : دماء على القباب الذهبية
أما الفصل الخامس فتضمن الحوار بين سرمك والحطّاب
ولابد من التنويه الى هذه القراءة الإنطباعية لن تكون بديلاً عن قراءة الكتاب كله لما فيه من جهد نقدي وكشوفات تستحق المعاينة والفحص ، وسأقصر هذه القراءة على الفصل الرابع (( دماء على القباب الذهبية )) وهو تحليل لقصيدة ( استغاثة الأعزل ) لجواد الحطّاب في رثاء الشهيدة أطوار بهجت ، والقصيدة تدمي القلوب فقد انجزها الحطّاب وهو في ذروة الألم لفاجعة الزميلة والصديقة والانسانة أطوار بهجت ولنلاحظ حجم المرارة في مستهل القصيدة اذ يقول الحطّاب : 
القادمون من العتمة / الهواة بــ ( سمكرة ) الأجساد
نصبوا الكمائن للغزالة / وتراهنوا : خارطة العراق على صدورها / ذهب ... أم شبه ؟
يُهدي الشاعر جواد الحطّاب مرثيته المدمرة هذه ( استغاثة الاعزل ) الى روح الشهيدة أطوار بهجت ، ويقول في تقديم قصيدته ( ها أني ألبيّ أمنيتك أخيراً ، واكتب عنك قصيدة لكنها ، ويح أصابعي مرثية ) ، ويرى الناقد حسين سرمك حسن في قراءته لهذا الوجع النصي ان : الشعر هو أهم دفاعاتنا في وجه منجل المثكل الباشط ، الشعر يحيي ويميت ، وقد أدرك الحطّاب هذه المهمة ( الإحيائية ) الجسيمة فعلاً ، أدركها وأمسك بمفاتيح مغاليقها ، فقدّم لنا نصاً رثائياً هائلاً ، تكمن واحدة من أهم فضائله في انه أثبت ان قصيدة النثر بتعقيداتها ( الحداثوية ) المعروفة وبنائها الذهني تصلح للرثاء وتمزيق النفوس الثكلى ...  ويضيف الناقد :
بعد أن كنّا نشعر ان صور قصيدة النثر ( المعقدة ) والمركبة وانزياحاتها وتخلّيها عن الإيقاع ( الخارجي ) وغيرها ، تضعف من إمكانية استخدامها كأداة للرثاء مثلما يحصل في القصيدة العمودية بشكل أساسي ، وفي قصيدة التفعيلة بدرجة أقل ....
يقول جواد الحطّاب :
     ( ما أنتن الرجولة / حين تنفرد الرشاشات بامرأة 
ويقول الناقد سرمك :
هي صورة نثرية لكنها ممهدة للشعر ، الشعر الذي سيليها ، ولا أعلم لماذا تستخف بعض الاتجاهات النقدية بالدور الاجتماعي للأدب ــ الشعر تحديداً ـــ وتعتقد انه ليس من واجب الشعر أن يكون شاهداً على الحياة والتاريخ ... ؟ وقبل أن نختم هذه القراءة الانطباعية لابد من اقتطاع هذا الجزء المؤثر من قصيدة الحطّاب لما فيه من إشارات وغنىً :في صحراء (( سرّ من رأى )) / كان ( السّيارة ) على بعد ( بئر ) من أطوار / ورغم أنها بلا أخوة / ولم تقصص رؤياها على مرآة / إلا أنها رأت اكثر ..  ص 148
وأخيراً يقول الدكتور حسين سرمك حسن :
تبقى ملاحظة مهمة تعبّر عن دراية الشاعر ومهارته في بناء النص ، وهي تقسيم قصيدته الى مقاطع تتخلل بعضها فسح شبه
 { سردية}  تأتي وكأنها مصوغة بطريقة ( إخبارية ) على صورة الاخبار العاجلة التي تبثها القنوات الاخبارية الفضائية التي كانت تشتغل فيها الفقيدة التي كان مقتلها عاجلاً 
جداً ...