( تجاعيد الماء) مجموعة شعرية للشاعر مهدي القريشي صدرت عن دار الروسم للصحافة والنشر والتوزيع بغداد / شارع المتنبي وتضمنت ( 37 ) قصيدة شعرية ، عند تصفحي لها أحسست أن عناصر القصيدة عنده تكمن في التراكيب والصورة الشعرية والموسيقى اضافة الى تجاربه الانسانية التي ولَّدت عنده هذه الشعرية والتي من خلالها تمكن من تجاوز المرئيات الى الكليات ، لأن لغة الشعر كما هو معروف تضع منطقها الخاص بها وتخلق وجوداً متميزاً لها بصورة عامة وتتجلى قيمة الصورة الشعرية عند الشاعرعندما ينقلنا عبرها الى عالم آخر من خلال خلقه عالماً جديداً تختلف علاقات الأشياء فيه كما هو عليه في العالم الواقعي ويكون الجامع بين مكونات هذا العالم رابطاً خفياً داخلياً يُحَسُ على مستوى الشعور.
في نص القلق في محنته ص 7 يقول :
لطفا ايها القلق
ماذا دهاك
تسير في شوارعنا
بخشوع ناسك
وتشرب من ينبوع اللذة
وتشير الى جثثنا المعلقة
وهي تتصبب خجلا
لان جماجمنا لاتصلح اوعية للحساء .
ولفرط خشيتي من الطمانينة
فرشت الشوارع قصصا محنطة بالسواد
تستأنس في قراءة اقدام القلق
وهي تنبش تاريخ الغبار
فتصير البهتان كؤوس نبيذ
فيلبسها البحر عفته
تبرز القدرة الإبداعية عند الشاعر عندما يسعى الى بناء النص تارة من خلال التداعي الحر أو من خلال الواقع وعدم ميله الى الخطابية أو التقريرية المباشرة تارة أخرى، إذ أنّ للفن الشعري واقعه الخاص وغاياته الخاصة لأن الشاعر هو الذي يحس إحساساً قوياً ويفكر ملياً كونه يرى الحقيقة الساطعة على اعتبار ان الشعر لديه حالة جدال ديناميكي بين الفعل
والقول .
في نص بوق المراثي ص 58 يقول :
بللت الليل باكمامي
بعد ان خلد حارس الحكايات
الى الكأس.
شذبت الفأس من لهاث الشبق
وسوسنة الغبش .
وثقبت الكلمات التي انسكبت
في محبرة القصيدة
لأسمعها رنات
مدججة بربيع السهو
الشاعرمهدي يسعى الى بناء النص الشعري من خلال تموجات ذاته الشعرية التي تجعله يعيش حالة من التجلي وهو يحلق عبر فيوضاته الشعرية الى عوالمه الخفية التي يعتقد انها رؤياه للتواصل مع الوجود ورغم معاناته وحجم الأسى الذي تسببه الحياة للإنسان ألا أنه يحاول إبراز الشفافية بنظرته المتفتحة والموضوعية للحياة وتساؤلاته المستمرة عن الفرح الذي هو مقصده لأنه يبغي ان تبرز شفافية نظرته هذه والتي يعتبرها وردته الخصبة.
في نص قبة في ضريح ص 92 يقول
مالذي يجعلك تنتظر
في ردهة الليل ؟
بعد ان فقدت الكائن
الذي هو انت
الكائن الذي يلم ثمالاتنا
الازقة المتورمة بالسهو
وينحني يقبل نبض شريانك
الشاخص كشجرة
المتفرع كشجرة
المثمر كشجرة
تسامت صدفة
مثقلة بالاحاسيس ..
ان النهار سيتأخر
ليودع نوره
في سماء
في قبة
في ضريح ...
في هذه المجموعة يؤكد لنا الشاعر أنه يعيش حالة من التجلي في مناخ الإبداع وهو يحلق عبر فيوضاته الشعرية في أوقيانوس الإبداع وهو ماض في عوالمه بحثاً عن الإمتاع والإقناع لأنه متيقن تماماً أن الشعر فن ، وللفن الشعري واقعه الخاص وغاياته الخاصة.
في نص صرخة ص 113 يقول :
في الروح المحروقة
او الارض المحروثة
بشهوة الموت
لافرق .. الامر سيان
تركض ...
حافية القدمين
والزمن يفلت من قدميها
وبقلب ارهقته شظايا
حالمة بالنزف وبالحور العين
نادت بعلو هامتها
والسماء ترضع من ثدي الارض
جثث احبتنا .
ختاما في قصائده الشعرية لمست الآتي :-
1 - انتقاء المفردة الشعرية الجميلة الممتزجة بموسيقى الشاعرية التي تعطي دفقا رائعا وعذبا حين تصل الى ذهن المتلقي كونه يحمل صفة المصداقية والوضوح في التعبير والبوح .
2 - وضوح تام للقصيدة الشعرية في الانزياح الشعري كون المتلقي لايعيش في متاهات الفهم والاستيعاب لانه استخدم اسلوب السهل الممتنع.
3 - عكس رؤيا شعرية متوهجة من حيث تطويع المفردة وجعلها ضمن نسيج النص الشعري المنتج وباسلوب تكتيكي قمة في البراعة باعتماد التوصيف والتوظيف بتلاقح رائع وفي آن
واحد .