احترموا الظاهرة وأرفعوا مستوى الكلام

ثقافة 2019/03/17
...


 
ياسين طه حافظ
 
غالبا ما يزعجنا او يستفزنا المختلف عن السائد. وهذا حالنا مع الازياء الجديدة و تسريحات الشعر الجديدة و العلاقات الاجتماعية الجديدة والافكار الجديدة. روح المحافظة محترمة ان كانت لصيانة التقليد وان كانت حذرا مما يُخشى. لكنها احيانا سلوك مجاني حافزه النظر للنفس بتعال وبأننا افضل والنظر للاخر الذي خرج قليلاً عن السياق او المألوف بأنه أقل وأدنى. 
 
هذا شعور غير مقبول وفيه تخلف مدني. ثمة مصادرة لما لا يُعجب.
وانا انتظر انجاز طباعة اوراقي في مكتب -ابتعادا عن الشاشة واشعتها بحسب الوصايا – كانت تمر فتيات فرحات بشبابهن وحياتهن الجامعية. والمرأة عادةً سبّاقة لكل جديد. فحين نظل نحن الرجال نرتدي طرازاً ما عشر سنين أو أكثر، هن يتسارعن لكل زي ظهر ولكل تسريحة ظهرت، بل حتى اساليب المكياج والعناية في الوجه وفي تقليد المشية الأطرى والارشق والاكثر اثارة. هن يلتقفن الجديد حال ظهوره!
ان كنا بشراً مهذبين نحترم الحياة وحريات الناس، يجب الا تضيرنا أمور كهذه وليست هي مما يضر ولا مما يسيء. ثم، لماذا ننظر باستهانة، بهزء ، باستنكار لما لا يخلو من جمال واثارة وهو في كل حال نوع من كسر الرتابة ان لم يكن تجديداً ينعش الحياة، وإذا، أيضاً، لم تكن هذه بدايات تغيير ؟ 
احتياجاتك، رجلاً ، غير احتياجاتها امرأةً . ما نراه فيهن من تجديد ليس استهانة بآداب واعراف. هو ممارسة حياة بمشاعر وأذواق جديدة. 
اما جمال او خفة أو حلاوة الحركات وطرائق الكلام والجديد في الملبس وفي الزينة وتسريحات الشعر والالتفاف على القيود، فهي اعمال وراءها سر أكبر مما نظن.
المرأة تشعر بمسؤولياتها عن استمرار الحياة، حياة الانسان على الارض. وهي الحريصة، الاكثر حرصا عليها والتي مشاعرها هذه غريزية متماهية مع دمها وروحها وكلامها وطعامها والحركات. هي تناضل، نعم تناضل لديمومة الحياة الانسانية على الكوكب. وتحرس البشرية لتدوم وتبذل ما تستطيع دفاعاً وإغراءً واستشهاداً احياناً لتبقى الحياة، حياتنا البشرية. وليستمر بقاء الانسانية على الارض. هي باختصار تُبعد ما يهدد الجنس البشري بالانقراض. وكلما ازداد نفور وابتعاد وجفاء الشباب عن الزواج، هي العظيمة التي لا يفهم عظمتها وادراكها احد، تحاول جذب الذكر، بشتى السبل للتلقيح لتستمر حياتنا البشرية وليبقى الانسان على الارض. جهادها المقدس العظيم هذا جدير بالاكبار والاحترام. جدير هو في تقدير ما وراءه. 
ليست الدعوة للزواج هنا واستدراج الرجل عمل مما نستنكره من اعمال. افهموا الظاهرة وارفعوا مستوى الكلام! كلما ابتعد الرجل زادت هي من اساليب الاغراء ووسائله، في الغنج والرقة، في الازياء المثيرة، في ابراز جمال الفخذين.. 
وحين تمادى الرجال اكثر، في العالم كله لا في بلادنا حسب، في ابتعادهم من الزواج، زادت هي في اغرائها، اظهرت سيقانها، كشفت بعض صدرها، سرحت شعرها ليكون اكثر جمالا واثارة وغيرت من ألوان مكياجها وحليها ومن جلساتها والحركات. هي تفعل المستحيل لتحافظ على الحياة وتعمل وتبتدع وسائل الاغراء لتستدعي الذكر لتعيده لصناعة الحياة. افرحوا لكل ظاهرة في الازياء وفي التسريحات وفي الكلام الناعم يقطر عذوبة وموسيقى وفي التحدي احيانا واللامبالاة. هذا نضال نسوي، وذكاء نسوي يستوجب اكبارها وتقدير ما تبتدع وتبذل وتتحمل من اجل ان تصون الحياة البشرية من الانقراض. احترموا الظاهرة وارفعوا مستوى الكلام! هل من حاجة لاذكّر بمدى رعايتها للطفل واستماتتها لحمايته؟ هو ذاك السبب الذي يجب ان نحترم؟
في الاخير تريد ان أذكركم، واسأل : هل تعلمون كم ضحت المرأة وكم تحملت عبر التاريخ من اجل هذه الغاية العظيمة وهذا الهدف الجليل؟ من اجل ان تستدعي الذكر واختيار من تراه منهم افضل، ليؤدي دوره في صناعة الحياة؟ علينا ان نقدر هذا ونفسر ما نرى من مظاهر الانوثة تفسيراً ترضى به الحضارة ويحترمه الوعي. فلم نعد بعدُ بدائيين نجهل اسرار ما نرى ويطغى جهلنا وتخلفنا على الفهم، فندمر الجمال والنافع الذي يجيء ... مرةً ثالثة احترموا الظاهرة وارفعوا مستوى
 الكلام!