علي حسن الفواز
الاكتفاء الاقتصادي للغرب لم يعد مُتيّسراً بالكامل، وباتت الأزمات تلوح في الأفق، بدءاً من أزمة الطاقة والغذاء، وانتهاءً بأزمة التضخم الذي خرجت معدلاته عن الطبيعي، حدّ أن مؤسسات الدعاية الغربية لم تعد تتحدث كثيراً عن "الفردوس الأوروبي" ولا عن قوة الرأسمالية في تأمين بيئات اقتصادية واجتماعية تكفل الحقوق العامة لمواطنيها، وربما صار الخداع عنواناً، وجزءاً من السياسة، ومن مواقف الحكومات المشغولة بعسكرة الاقتصاد، وبأدلجة العلاقات الدولية، لاسيما بعد التدفق الكبير للاجئين من أوكرانيا، ولضغط روسيا على توريد الغاز والنفط والقمح والفحم، وإخضاعه إلى سياسة مضادة للعقوبات التي فرضها الغرب..
تتحدث آخر الأخبار عن دعوات غربية لمعالجة الملف الأوكراني، وإخضاعها إلى توصيف "الدولة المحايدة" ومنع إدخالها إلى حلف الناتو، لقطع الطريق على تضخم تداعيات استمرار هذه الحرب الملعونة، والتي أضحت تهديداً بنيوياً عميقاً يمسّ جوهر النظام ونمط حياته الاستهلاكية، وقدراته على مواجهات أزمات تخص المجتمع، مثلما تخص قطاعات واسعة في الاقتصاد الأوروبي وفي صناعاته العملاقة وخدماته الاجتماعية في تأمين الغذاء والتدفئة والإضاءة، وفي السيطرة على أسعار الوقود..
مايحدث في جبهات الحرب امتد ليصنع له جبهات داخلية، تكشف عن رثاثة السياسة، وعن سوء التعاطي مع ملفات الأمن السياسي والأمن الغذائي والأمن النفطي، وهي ملفات ليست بعيدة عن أزمات الحكومات الأوروبية ذاتها، والتي تندفع باتجاه تطبيق سياسات هي الأقرب إلى الطوارئ، على مستوى تخفيف أثر الحرب وتداعياتها، أو على مستوى القيام بإجراءات تخص السياسات الضريبية، أو التي تخص علاقة الحكومات بالشركات والمؤسسات المسؤولة على الجوانب الخدماتية والصناعية والاستثمارية، وصولاً إلى الخدمات البيئية المُهددة بتعطيل برامجها، جراء بروز دعوات إلى بناء المحطات النووية، والتفكير باستثمار الغاز الصخري، وهي دعوات ليست سهلة التطبيق في مجتمعات تدرك أهمية البيئة والصحة العامة، لاسيما بعد أن عانت كثيراً بسبب تداعيات جائحة كوفيد - 19.