حسين العادلي
لم تكن مجزرة الكراهية التي أقدم عليها الإرهابي (برينتون تارانت) في نيوزيلندا هي الأولى ولن تكون الأخيرة، فالكراهية والتطرف والإرهاب غدت ظواهر أممية ستصنع تاريخاً جديداً للبشرية.
التطرف ليس بجديد، ولعل التاريخ بأغلبه دورات تطرف آيديولوجي ثقافي هوياتي!! لكنَّ الملفت للانتباه اليوم: أنَّ التّطرف الآخذ بالتهام العالم ينتشر ويترسخ بعد نضوج إنساني تاريخي صنعته التطورات الهائلة في ميادين العلم والمعرفة والثقافة التي أوجدت إنساناً مدنياً كونياً،.. فهذا النّكوص الإنساني نحو التّطرف كأنه ردّة لعصور الإنغلاق والتناشز باسم التّميز والحقيقة والهوية، وهنا الخطر.
شرقاً وغرباً، أخذت الأصوليات والشعوبيات الدينية واليمينية المتطرفة تصنع التاريخ، تاريخ جديد تصوغه جماعات منغلقة عقدياً وثقافياً، متسلّحة بعقائد التفوّق العرقي والتّميز الديني والتناشز الثقافي،.. إنها قوى هوياتية مُحكمة الفكرة عالية التوتر تتسلّح بالرعب لإركاع الآخر المختلف، جماعات وسلطات متكّثرة حيوية وناشطة تشتغل على تناقضات التنوع ومدفوعة بتضارب المصالح ولا ترى إمكانية حقيقية للتعايش والتكامل الإنساني. لقد غدا التطرف تهديداً أممياً آخذاً بالاتساع سيعيد إنتاج المجتمعات والدول وخارطة الحضارات والعلاقات الدولية.
الأخطر، أنَّ الجماعات المتطرفة الدينية واليمينية تتمكن من الدولة بالتدريج،.. لقد حققت وستحقق مكاسب جديدة باختراق أو امتلاك السلطة في أكثر من دولة، منذرة بتغيير مسار التاريخ. فالعالم يشهد تنامياً مريعاً للأصوليات الدينية من الكاثوليكيين التقليديين الفرنسيين إلى اليمين الديني الأميركي إلى المتزمتين الإسرائيليين إلى حركات العنف الهندوسي إلى الحركات السلفية الإسلامية. وأيضاً، فإنّ العديد من قوى اليمين السياسي المتطرف استطاعت اختراق السلطة في أكثر من دولة كحزب ديمقراطيي السويد، وحزب رابطة الشمال 'ليجا نورد' في إيطاليا، وحزب 'جوبيك' اليميني المجري، والجبهة الوطنية الفرنسية. والأحزاب اليمينية اليوم ممثلة في حكومات وبرلمانات إيطاليا والنمسا وبلغاريا والدنمارك والمجر ولاتفيا وسلوفاكيا..الخ. وهناك سلطات وحواضن عربية وإسلامية أيضاً تتكاثر لتنتج التّطرف من أفغانستان إلى شمال افريقيا، ومن القوقاز إلى الصومال،.. ويكفي أن نشير إلى أنَّ في بنغلاديش وحدها أكثر من 67 ألف مدرسة سلفية (تحت الرعاية) منتجة للتّطرف. لقد لعبت الآيديولوجيا والمصالح وتناشز الهويات وصراع الثقافات لعبتها بإنتاج الأصوليات المتطرفة التي اخترقت المجتمعات والدول وأسقطتها في دائرة تأثيرها الآيديولوجي والسياسي، وغدا التّطرف أخيراً جزءاً من صراع الستراتيجيات الإقليمية الدولية.
لم يعد ممكناً مواجهة التّطرف على المستوى المحلي لهذه الدولة أو تلك،.. إنّ اتساع تأثير قوى الكراهية والتطرف واختراقها للمجتمعات والدول يصعّب من مواجهتها. فإضافة الى ترسيخ قيم الدولة من مواطنة وعدالة وتعددية وإنشاء بنية داخلية سياسية أمنية اقتصادية تربوية ثقافية إعلامية كمصدات فعّالة وحيوية للحد من انتشار التّطرف وطنياً، فإنّ تنامي ظاهرة التّطرف تحتاج أيضاً إلى منصات دولية لمحاصرة ومعاقبة السلطات والدول المتبنية والداعمة للتّطرف والإرهاب والتي توظفه بصراع المصالح. أيضاً الاشتغال الأممي المتزامن لنزع بؤر التوتر الدولي من جهة ومن جهة أخرى الوأد المبكر لمناشئ التّطرف في مستوياته كافة من خلال اتفاقات دولية فعّالة لإجهاض فعل ونفوذ سلطات وقوى التّطرف.
الكراهية تتسع، والتناشز المتوحش وشيطنة الآخر والتطرف المتحفز غدت ظواهر،.. ودونما منصات ومصدات وطنية دولية فعّالة فالإنسانية
في خطر.