بحر صامت

منصة 2022/05/10
...

 سهى الطائي
 
تلاحقنا الأحداث أينما حللنا فلا دارنا دار راحة ولا سعادتنا دائمة، وباختلاف ألوان الصِعاب التي تواجهنا تختلف النهايات فكلٌ منا يختار ردة فعلٍ تناسب الحدث؛ ففي هذه الحياة نمرُّ جميعنا بمُعترك الأزمات بمختلف الألوان فمنها الأبيض ومنها الأسود ومنها الرمادي؛ وبجميع ألوانها نرسمُ بفرشاتنا قراراتنا لكل ما نتعرَّض له حسب قرارنا الذي نُنهي به الحدث.
جميعنا نتعرَّض لمواقف كثيرة في حياتنا فنضطرُّ للوقوف صامتين مرَّة وصارخين بأعلى أصواتنا مرَّة أخرى فالحوادث التي نتعرَّض لها متنوعة بين ظلم، وقسوة، اتهامات، افتراءات، حيّل، وأكاذيب.. الخ.
والقليل منا من يصبر على كل ما ذُكر، فمنا من يكون صدره ضيقاً لا يتحمل أي أذية بشتى أنواعها، ومنا من يكون كالبحر يتسع لكُل شيء، فتارة نراه ساكناً من دون موجة! وتارة نراه غاضباً بصمتٍ يشبه البحر بأمواجه فيتلاحق غضبه بين مده وجزره ثم يعود كما كان دون إغراق أحد.
قد تتجلى جميع أمانينا في كل تلك الحالات والحوادث أنْ نكون حين الغضب مثل البحر فقد أُشبه جميع من يمرون في حياتنا بالسفن التي تسير في بحرنا بشتى أحجامها وأنواعها وألوانها فما أجمل تلك السفن التي مرَّتْ على بحر أفكارنا من دون أنْ ترمينا بحجر! أو أنْ تعكر مياهنا الصافية برميها شباكاً سوداء تحمل سموماً قاتلة، غايتها اصطياد كلمة تخرج من أمواجنا حين عبوسنا أو فعلاً يُغرق كل زوارقهم العائمة على ضفافنا لنُتهم بضيق الصدر وعدم الحكمة، فالغالب لا ينظر لفعله وعمله وكلامه بل يُحاسب الناس على ردود الأفعال فقط فيبدأ بتعريتهم أمام الناس ثم أمام أنفسهم، فبعضهم لا يعترف بأخطائه ولا يحتسبها أخطاءً ويُصرُّ على أحقيته في قول ما يشاء وفعل ما يرغب، فحلالٌ عليه كل شيء وحرامٌ على البقية أي شيء! وقد تجد بعضهم يرفض الحقائق ويتزمَّتْ بخيلاته بعُنجهيَّة؛ باعتبار نفسه ومن يخصه ملاكاً والآخرين شياطين!
كل تلك الإرهاصات التي تصيبنا باختلاف تعرضنا لها وبتنوعها؛ جميعها "سُنن كونيَّة" لا بُدَّ أنْ نتعرضَ لها، فقد نخفق في التصرف حيناً ونصيب حيناً آخر فلا يمكننا أنْ نفعل الصح من دون مرورنا بالخطأ والتعلم منه، فتقبلنا لهفواتنا بمختلف أوضاعها تصالحاً مع النفس قد يكون فيه تهذيبٌ مرَّة وتأديبٌ مرَّة أخرى.
إنَّ أجمل ما يصقل ذاتنا هي ضمائرنا الحيَّة ونفوسنا اللوامة حين الخطأ فما دام ضميرك نابضاً بالتأنيب ونفسك نادمة على الزلات والهفوات فلا تقلق فإنَّ فكر بحرك بخير، واحذر أنْ تبتلع طعم من تعرفهم أو من يمرون بموجك، فكونك هادئاً في أعتى المُشكلات صابراً صامتاً مراقباً لكل ما يدور حولك ما هو إلا نقاطٌ تضاف لرقمك الشامخ فلا تدع أي أحدٍ يُسقطك في "صفره" لتُجاريه في مكانته ويجرك لمستنقعه حتى يرضي نفسه بأنك أصبحت مثله.
الكلام حين الغضب منقصة والصراخ حين تتوالى علينا المصائب والاتهامات يُضيعُ الحقوق، وتقول الحكمة "ما ندمت يوماً على صمت" فهنا نُجزم أنَّ الكلام حينها ندمٌ عظيمٌ..
قد يدخل كل ما ذكرت في قرارٍ تتخذه بنفسك من دون أي حرفٍ يملؤك أو ضغط تتعرض له، فكلما كانت درجة الالتزام بالصمت عالية والتروي بالحكم على المواقف مُتأنية كلما زادت قيمتك الأخلاقيَّة بين الناس، فلا يظهر معدن الإنسان إلا حين امتعاضه وحين يضيق ذرعاً بما يتعرض له؛ فتظهر جلياً مكنوناته المُخبأة داخله.
وقد نبحر جميعنا بسفننا في بحر غيرنا؛ فما أجمل أنْ نكون أهلاً للإبحار نمرُّ مرور الكرام ولا نترك إلا الأثر الطيب وراءنا مهما واجهتنا رياح الحياة الغاضبة نجتازها برفع شعار عابرو السبيل الذين لا يؤذون ولا يتصيّدون في المياه العكرة.