قرية عدد مكتباتها أكثر من تلاميذها

بانوراما 2022/05/14
...

  رافائيل مايندر
  ترجمة: خالد قاسم
تقع قرية أوروينا على قمة تل في شمال غرب إسبانيا، وتطل على أراض واسعة من حقول زهرة الشمس والشعير، وبنيت بعض جدران المحال بشكل مباشر داخل أسوار القرية منذ القرن الثاني عشر.
رغم جمالها الوعر، لكن أوروينا على غرار قرى كثيرة في الريف الاسباني عانت طيلة السنوات الأخيرة بسبب تناقص عدد سكانها وتقدمهم بالسن، مما تركها مع نحو 100 نسمة فقط، ولا يوجد قصاب أو خباز، بينما يحضر إلى المدرسة المحلية تسعة طلاب فحسب.
 
ومع ذلك، ازدهر هناك نشاط واحد خلال السنوات العشر الماضية، فكانت للكتب أهمية كبرى، إذ تضم القرية 11 مكتبة. يقول فرانسيسكو رودريغيز عمدة أوروينا: «ولدت في قرية بلا مكتبة حيث يهتم الناس بزراعة أرضهم وحيواناتهم أكثر من الكتب. هذا التغيير غريب قليلا، لكنه مصدر للفخر بالنسبة لمكان صغير أن يصبح مركزا ثقافيا، مما يجعلنا مختلفين واستثنائيين مقارنة بالقرى الأخرى المحيطة بنا».
تعود محاولة تغيير أوروينا إلى محور أدبي للعام 2007 عندما استثمرت السلطات البلدية ثلاثة ملايين يورو تقريبا، لترميم مباني القرية وتحويلها الى مكتبات وبناء معرض ومركز مؤتمرات. وعرضوا مبلغ إيجار رمزي قدره 10 يورو شهريا للأشخاص المهتمين بإدارة المكتبات.
سعت الخطة الى إبقاء أوروينا حية عبر سياحة الكتب، واتباعها نموذج مراكز أدبية ريفية أخرى في أوروبا وخصوصا مونتموريلون الفرنسية وهاي أون واي البريطانية، وتستضيف البلدة الويلزية أحد أشهر المهرجانات الأدبية الأوروبية.
تمتلك إسبانيا أحد أكبر أسواق نشر الكتب أوروبيا، وتوظف نحو ثلاثة آلاف مكتبة مستقلة، وضعف هذا الرقم إذا احتسبنا محال القرطاسية وأماكن أخرى تبيع الكتب. لكن 40 بالمئة من بائعي الكتب يكسبون أقل من 90 ألف يورو سنويا وهو ما يعادل «حد الكفاف» كما يقول ألفارو مانسو المتحدث باسم نقابة المكتبات المستقلة الاسبانية.
مكتبات مهجورة
يذكر مالك إحدى مكتبات أوروينا أن بقاء هذه الشبكة الوطنية الضخمة من المكتبات الاسبانية، حيث مستويات قراءة الكتب ليست مرتفعة، هو من بين التناقضات الكبيرة للبلاد. ويضيف أن الإيجار الواطئ يسمح له الاستمرار ماليا بالعمل عبر بيع سلسلة من الكتب المستعملة مثل كلاسيكيات اللغة الاسبانية وأعمال كوميدية. ويعرض محله 50 نموذجا من آلات طابعة قديمة كان يستخدمها مؤلفون مثل جاك كيرواك وتولكين وكارن بليكسن وباتريسيا هايسميث.
تشتكي صاحبة إحدى مكتبات القرية أن بعض مالكي المكتبات يفتحون محالهم بشكل متقطع، وخصوصا في عطلة نهاية الأسبوع لمعرفتهم بوجود عدد أكبر من الزائرين، مع أن المشروع الحكومي يشترط عمل المكتبات أربعة أيام أسبوعيا على الأقل. وأشارت الى تراجع عدد سكان القرية باستمرار طيلة العقدين الماضيين رغم تحولها الى قطب لمحبي الكتب.
يعترف عمدة القرية بأن الجاذبية السياحية الجديدة لبلدته لا تضمن انتقال سكان دائميين إليها وإبقاءها حية، ويعد ترك بعض أصحاب المحال التجارية عملهم دليلا على ذلك، وتحصل القرية على الخبز واللحم من بلدة مجاورة.
مع ذلك، أثمرت مبادرة المكتبات نتائج جيدة وأختيرت أورينا ضمن المبادرة بسبب موقعها الخلاب ومبانيها الرائعة، اضافة للوصول اليها بسهولة نسبيا. وتقع قبالة طريق سريع في جنوب غرب اسبانيا وتبعد عن مدريد ساعتين بالسيارة ونحو 50 كم عن مدينة بلد الوليد.
سجل مكتب السياحة في أوروينا 19 ألف سائح خلال العام الماضي، حتى وسط وباء كورونا ويقول المسؤولون إن الرقم الفعلي أعلى بكثير لأن العديد من الزوار المتنقلين لا يمرون على المكتب. وتحصل القرية أيضا على 70 ألف يورو سنويا من المال العام مقابل تنظيم أحداث ثقافية مثل دورات بفن الخط والأداء المسرحي والمؤتمرات.
تشتهر أوروينا بنقاط جذب ثقافية حتى قبل وصول المكتبات، ويعد خواكين دياز من أقدم سكان القرية إذ انتقل اليها من بلد الوليد قبل نحو أربعين سنة ويعيش في مبنى قديم، حيث يجمع مجموعة كبيرة من الأدوات التقليدية والكتب والتسجيلات، وتحول منزله الى متحف من قبل السلطات المحلية قبل ثلاثين سنة.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية