قارب سومري

منصة 2022/05/15
...

  ترجمة: عمار حميد مهدي
 
قبل 4000 عام كانت أوروك الواقعة جنوب العراق واحدة من المدن المزدحمة بالناس ووسائط النقل من عربات تجرها الحيوانات والزوارق التي كانت تتنقل عبر نهر الفرات وروافده، وصادف أنَّ أحد هذه القوارب كان راسياً على الضفة غرق في القاع ثم تراكمت عليه طبقات الطمي والغرين ليبقى هناك في مكانه على مجرى نهر الفرات القديم حتى شاءت الصدف أنْ يتمَّ العثور عليه في العام 2018 عندما قام فريقٌ مكونٌ من علماء آثار ألمان وعراقيين تابعين إلى كل من قسم الشرق في المعهد الآثاري الألماني والبعثة العراقية الألمانية المشتركة التابعة للهيئة العامة للآثار والتراث بإجراء توثيق للمنطقة العازلة المحيطة بخرائب أوروك وقادهم ذلك إلى اكتشاف الزورق في تلك السنة. ثم اشتغل علماء الآثار بعد ذلك على إجراء عملية إنقاذ وتنقيب طارئة لإنقاذ بقايا الزورق وحفظها من الاندثار النهائي.
كان القارب المكتشف مصنوعاً بشكل أساسي من أوراق سعف النخيل والخشب والقصب، وتم طلاؤه وتغطيته بمادة القار، والتي كانت مادة شائعة الاستخدام في بلاد ما بين النهرين للبناء وطلاء القوارب المصنوعة من القصب، إذ استخدم البشر هذه المادة منذ وجودهم المبكر على الأرض قبل أربعين ألف سنة.
ثم قامت  البعثة المكتشفة للقارب السومري القديم بتوثيقه بطريقة التصوير القياسي التي تعمل على بيان تفاصيل الشكل الأصلي للقارب، وبحكم المكان الذي تمَّ فيه العثور عليه والذي هو طريق لا زال يستخدمه السابلة مما يعرضه للضرر، فقد قررت البعثة الاستكشافية في وقتها أنْ تقود وبشكلٍ إلزامي عمليَّة إنقاذ أثريَّة للقارب ولضمان الحفاظ على هذه البقايا الفريدة.
يبلغ طول القارب (7) أمتار أو (23) قدماً، وبعرض (1.4) متر أو (4.59) قدم، ويبدو من وضع القارب أنه قد دفن في الرواسب بعد أنْ غرق في قاع النهر منذ 4000 عام، وكانت البقايا عند العثور عليها هشة بشكلٍ كبيرٍ جداً بالرغم من أنها كانت محفوظة بطريقة جيدة، وكذلك ظهورها بشكل جزئي فوق سطح الأرض خلال الأعوام الأخيرة.
والبقايا العضوية التي تشكل أجزاءً من القارب، والمتمثلة في سعف النخيل والخشب والقصب، قد ظهر أنها تحللت تماماً بمرور الوقت، لكنَّ بصماتها لا تزال مرئيَّة ومطبوعة حتى يومنا هذا على طبقة القار التي لا زالت تشكل جزءاً منه.
وخلال عمليات التنقيب كان الجزء العلوي من القارب مغطى بطبقات من الطين والأصداف المتراكمة عليه، ما شكل دعامة لتثبيته، وبالتالي كان من الممكن إنقاذ القارب بأكمله.
قد لا تبدو مدينة أوروك التي احتضنت هذا القارب الفريد على ما كانت عليه في الماضي، ولكنها كانت في ما مضى واحدة من أكبر المستوطنات في جنوب وادي الرافدين، وفي وقتنا الحاضر تبدو بقايا هذه المدينة ظاهرة للعيان وسط الكثبان الرملية على بعد بضعة كيلومترات من مجرى نهر الفرات الحالي، وتقع على بعد (241) كيلومتراً إلى الجنوب من بغداد، وقد بُنيت أوروك إلى جانب القناة المائيَّة الجافة القديمة لنهر الفرات.
كانت هذه المنطقة في الماضي البعيد من أهم المناطق التي احتوت على أقدم التجمعات البشريَّة المبكرة التي نمتْ وتطورت محاطة بمصادر المياه الأساسيَّة ومشاريع الري والأهوار المنعشة الزاخرة بالقصب وأراضيها ذات التربة الغرينية الخصبة والممرات المائيَّة التي تتيح الوصول إلى البلدات المجاورة عبرها وإلى الخليج، لذلك فمن الطبيعي جداً أنْ تحتوي هذه المنطقة على زورقٍ غارقٍ يمكن أنْ يُعثرَ عليه في ما بعد.
ومؤخراً فقد تم رفع القارب ونقله إلى المتحف الوطني العراقي في بغداد لحفظه وإجراء المزيد من الأبحاث عليه، وبما يتوافق مع القوانين العراقيَّة المتعلقة بحفظ الآثار والتراث.
يعتقد الآثاريون أنَّ أوروك هي واحدة من أولى المدنيات التي ظهرت على وجه الأرض في المنطقة، التي أطلق عليها الإغريق بلاد ما بين النهرين، إذ اعتمد اقتصاد سكانها بشكلٍ أساسي على الصيد النهري والرعي، فضلاً عن زراعة القمح والشعير والتفاح والتين وبساتين النخيل، كما ولا زال الكثير من آثارها مطموراً تحت طبقات الطمي والتراب يُنتظر أنْ يرى النور ويأخذ مكانه في متاحف العراق.
عن موقع ancient origins