ثلاث قصص مجنونة جداً

ثقافة 2019/03/22
...

فيرجيليو بينيرا 
ترجمة: جودت جالي
أرق
يذهب الرجل الى الفراش مبكرا، لا يستطيع النوم، يدور طبعا ويتقلب في الفراش حتى تلتف الأغطية حول جسمه، يشعل سيجارة، يقرأ قليلا، يطفئ المصباح مجددا، لكنه لا يستطيع النوم. ينهض في الساعة الثالثة صباحا، يوقظ صديقه الجار ويسر إليه أنه لا يستطيع النوم ويطلب النصيحة، يقترح عليه الصديق أن يقوم بنزهة قصيرة ليتعب نفسه قليلا، ثم يتناول كوباً من شاي الزيزفون ليستغرق في النوم، ينهض مرة أخرى، هذه المرة يذهب الى الطبيب، وكالعادة يوجد لدى الطبيب الكثير ليقوله، لكن الرجل حين يعيد المحاولة لا يستغرق في النوم، في السادسة صباحا يعبئ مسدسه ويرفعه الى جبينه، الرجل ميت الآن ولكنه لا يزال غير قادر على أن ينعس، إن الأرق لشيء في غاية اللجاجة.
*
الجبل
يبلغ ارتفاع الجبل ثلاثة آلاف قدم. قررت أن آكله، شيئا فشيئا. إنه جبل كغيره من الجبال... نباتات وصخور وتربة وحيوانات وحتى كائنات بشرية تصعد منحدراته وتنزلها. كل صباح أرمي بنفسي عليه وأبدأ أمضغ أول شيء يعترض طريقي. أقضي ساعات على هذه الحال. أعود لبيتي مجهد الجسم وفكيّ منتفخين. بعد راحة قصيرة أجلس في المدخل وأحدق في المدى الأزرق. لو أخبرت جاري فسيضحك من دون شك لسخف كلامي ويعتبرني مجنونا. ولكني لأني مدرك لما أفعل أستطيع أن أرى في غاية الوضوح أن الجبل ينقص وزنا وحجما. سرعان ما سيضعون اللوم على اضطرابات جيولوجية، وتلك هي مأساتي فلا أحد يرغب في الإقرار بأني أنا من كان يلتهم الجبل الذي يبلغ ارتفاعه ثلاثة آلاف قدم.   
*
سباحة
تعلمت السباحة على الأرض الجافة، وتبين أني أُحسنها أفضل من السباحة في الماء، لا يوجد خوف من الغرق لأنك في القاع أصلا، وبنفس المنطق فإنك غارق مقدما. كما أنك لا تحتاج الى الصيد بوساطة الفانوس أو على ضوء النهار الباهر الجميل، أخيرا  فإن غياب الماء يحفظ جسمك من الانتفاخ، لست في معرض نكران أن السباحة على الأرض الجافة يشبه سكرات الموت. يظن المرء لأول وهلة أنك تعاني ألم الاحتضار، لكن يبقى الأمر مختلفا تماما، ففي نفس الوقت الذي تجاهد فيه ضد الموت فإنك حي تماما، في غاية الانتباه، تسمع الموسيقى التي تتناهى اليك من النوافذ وتراقب الدودة التي تدب عبر الأرض.في البداية امتعض أصدقائي من اختياري هذا. تجنبوا نظرتي اليهم وبكوا خفية، لحسن الحظ مرت تلك الأزمة. هم الآن يعرفون أني أشعر بالراحة للسباحة على أرض جافة. أحيانا أغط يدي بين القرميد الرخامي وأناولهم سمكة بالغة الصغر اصطدتها من أعماق المياه.
المصدر: Cuban SF Site. virgiliopiñera
*
فيرجيليو بينيرا كاتب كوبي (1912-1979) يندرج ضمن تصنيف الشخصية البوهيمية بالمفهوم الغربي أو الصعلوك بمفهومنا. كاتب مسرحي وقاص وشاعر وكاتب مقالات واشتهر بأسلوب حياته المحتقر للأوضاع الاجتماعية السائدة. ولد لأب مهندس سكك حديد وأم معلمة. دخل جامعة هافانا ولكنه رفض أن يدافع عن أطروحته أمام “مجموعة حمير” على حد وصفه، وبالتالي وجد صعوبة في الحصول على عمل وعاش متطفلا حتى هاجر الى الأرجنتين حيث تعرف على خورخه لويس بورخس. عاد الى كوبا بعد انتصار الثورة الكوبية ولكنه سرعان ما سُجن سنة 1961 لجرائم “سياسية وأخلاقية”. مع ذلك حاز على أعلى جائزة كوبية في الأدب في العام  1969عن مسرحيته (رعبان قديمان)، من كتبه أيضا(حكايات باردة) 1956.