من أغاني الحصاد {يا عشكنا}.. ترنيمة المناجل في حضرة الربيع

ثقافة شعبية 2022/05/19
...

  سعد صاحب 
العراق بلد الأغاني والتراتيل والماء والزراعة والطيور، وكانت تحف به الأنهار من كل جانب، وكل شبر من الأرض يضج بالحياة السعيدة والبركة والولادة والخصوبة، والسماء تجود بأمطارها الغزيرة، فتنبت الفواكه التي تمد الناس بالقوة والصحة والعافية، فيكثر الزواج وتنتشر الأعراس والأفراح ونقر الدفوف
وتتلوى النساء كالمناديل في رقصة باذخة، وحين تأتي القوارب ملأى بالهدايا والنذور والأضاحي، والجميع كان يقدم الصلوات إلى بلاد الرافدين، بكل قدسية وهيبة وإجلال. (يا عشكنا / فرحة الطير اليرد لعشوشه عصاري / يا عشكنا / انمد صوابيط العنب ونحوشه عصاري / وكاعنه فضه وذهب واحنه شذرها / وشحلاة العمر لو ضاع بعمرها).
عطاء 
 بغداد تحمل في رحمها بذرة العطاء، وأفياء أشجارها الوارفة تمتد إلى الصحارى البعيدة، والإله يحميها من كل ظالم يتربص لها بالشرور، والفلاح النشمي المواظب على الزراعة، يشمر عن ساعديه ببسالة، ولا يوجد من ينظر إليه نظرة دونية قاصرة، والمياه النقية تفيض بكل محبة وتروي النباتات الظمأى، وما أروع المناجل السومرية المرتفعة للأعالي، والأسماك المسالمة في الأهوار والتي تتكاثر في الشطوط، والطيور فقست بيوضها في الأعشاش العالية، والجبال سجادة من الزهور الملونة، والمرأة الجنوبية الملتفة بعباءتها الرقيقة، متفائلة بكثرة الغلال، والنخيل المبارك تتساقط أثماره فوق العابرين، والصبايا يغتسلن بماء النهر الذهبي، والجداول تنساب مثل لحن موسيقي رخيم. (خذني للمرواح عود / خذني سن المنجلك / من يوج ضي الخدود / شمعه وبديرة هلك / اضوي ليام الحصاد الجايه / والبيادر جالجبال العاليه / ماينه شطوط وسعد / وانسامنه طيور و ورد ).
أساطير 
 ديموزي كما معروف في الأساطير هو إله الخصب والخضرة والمروج اليانعة، وكان يقيم الاحتفالات ويوزع المحاصيل بين الفقراء ويطعم الجياع، لكن الشياطين حاولوا أن يقتلوه، ويكسروا الناي الذي يعزف لنا به أناشيد الحصاد، لكنه انتصر عليهم في النهاية، وعادت البهجة إلى النفوس المحطمة. (ايدي وايدج عل مساحي / الدنيه تموز وشمس).
صباحات 
 الليل البغدادي أكثر إشراقاً من صباحات المدن النائمة، والزمان مواكب متواصلة من الزفاف، والحرية لا تكتمل إلا بالسكن الآمن وتوفير العمل، والحصول على راتب شهري يوازي الغلاء. (ليلي اضوه من صباحي / والوكت زفة عرس).
حقول 
 في كل نهار سعيد تنشر الشمس نورها العسجدي فوق الحقول، فترقص الأزهار في الهواء، وتتمطى وردة ناعسة نائمة في الظلال، وتتألق الأرواح البائسة بضياء الصباح الحميم، الفلاحون الأوفياء يتغنون بمواسم الخير الوفير، وهم رجال أحرار في أكواخهم القصبية المتواضعة، وسواهم يعيش مثل السجين في القصور، والأمل بالغد بوابة مفتوحة للإبداع، ونبتة صغيرة تكون غابة في المستقبل القريب، وجبالنا تصافح الأقمار في السماء. (اطوف اغانينه بشلبنه وهورنه / شما سعينه الخير خير 
يزودنه / امالنه اطك بالشجر / 
وجبالنه بعلو الكمر). 
رفيف 
نجح الملحن حميد البصري بهذا اللحن الجميل، واستطاع أن ينقل لنا من خلال الموسيقى، رفيف أجنحة الطيور العائدة إلى أعشاشها الآمنة، ويصور ألوان عناقيد العنب المنضد في السلال، ويحرك احساسنا صوب أرضنا الطافحة بالخيرات والأسرار والذهب، ويسحرنا بأجواء الحصاد وأصوات النساء الناعمة، ويقودنا للتجاوب مع كل عناصر الطبيعة الساحرة. تفاعل الفنان فؤاد سالم مع النص بشكل كبير، وأعطاه الكثير من روحه المرهفة الإحساس، 
كيف لا وهو فنان الشعب، الذي وهب الكثير للوطن ولم يكسب سوى الجفاء والنكران والإهمال والجحود، كان لصوت (شوقية) الجميل دور بارز بنجاح الأغنية، لما يمتلكه من السحر والعذوبة والتلوين الجمالي المدروس، وكانت منافساً قوياً، لا يقل شأناً عن مطربنا القدير، في ذلك الثنائي 
الرائع.