د. عواطف نعيم
تحدثنا في مقالة سابقة عن المتغيرات التي اتسمت بها الدراما العربيَّة تحت تأثير واجتذاب القنوات العالميَّة في برامجياتها ومسلسلاتها الدراميَّة التي تسعى الى استقطاب أكبر عددٍ من المتلقين وكيف أنَّ الدراما العربيَّة عبر قنواتها المتعددة، لا سيما تلك التي تمتلك رأس المال، عمدت الى استنساخ تلك التجربة والعمل على تقليدها رغم الفروقات الاجتماعية والدينيَّة التي تختلف في توجهاتها ومتطلباتها عن النمط السائد في العالم الغربي!
ومع حلول كل موسم رمضاني جديد لا بُدَّ أنْ نتوقعَ وجود مفاجآت ومتغيرات في ما يقدم من عروضٍ دراميَّة ومنوعة بين تلك القنوات العاملة في مجال الدراما بكل أنواعها وتوجهاتها، فالتنافس في الاستقطاب والأولويَّة يظهران جليين وواضحين في طبيعة وأحياناً غرابة ما يقدم، ففضلاً عن أنَّ التقليد والتأثر صارا أمرين طبيعيين، أنْ تأخذ عملاً درامياً معروضاً ومعروفاً لتعيد إنتاجه بلهجة أخرى وممثلين آخرين مع إجراء بعض التعديلات البسيطة التي تتطلبها الحالة الاجتماعيَّة لا أكثر، وقد يكون العمل غير عربي وأحياناً قد يكون العمل الدرامي عربياً مضى على تقديمه ونجاحه عند تقديمه ما يزيد على السنوات العشر! ولا ندري ما هو السبب وراء هذا التوجه وإنْ كانت الحال تشير الى قيمة التأثر وورود فكرة الربح والانتشار وخلق حالة من المقاربة والتنافس حول الأفضليَّة في التقديم والرؤى!
في الموسم الرمضاني الذي مرَّ على العراق للعام 2022 والذي هللّ له البعض وطبّل دون دراية أو فهمٍ واعٍ ورؤية متأنية، طلتْ علينا الفضائيات العراقيَّة التي توجهت الى تقديم الدراما العراقيَّة بالعديد من المسلسلات التي تنوعت ما بين الكوميديَّة المكررة والمستنسخة من أعمالٍ سابقة وبذات الوجوه التي بات المتلقي يتوقع ما سوف تقدم وكيف ستؤدي لكنها مفروضة على المتلقين بحجة أنَّ لها جمهورها ومتابعيها مع زّج بعض الوجوه الجديدة معها وتحجيم هذا الحضور لأنَّ القدح المعلى والأولويَّة للوجوه التي ثبت ولاؤها للفضائيَّة صاحبة الفضل على تلك الوجوه في التقديم والترويج والمنفعة المادية! ولطالما قامت بعض الفضائيات التي تمتلك رأس المال بالاستعانة ببعض الفنانين من أصحاب الشركات الفنيَّة لتقوم بإنتاج تلك الأعمال بوصفهم منتجاً منفذاً وأحياناً تكون تلك الشركات شكليَّة أو يتم تكوينها على عجالة لتنهض بمهمة الإنتاج وفي الحقيقة يكون أصحاب الفضائيات هم المنتج الحقيقي المنفذ والمتحكم برأس المال وما الآخرون سوى واجهة تابعة ومنفذة لأصحاب تلك الفضائيات ومدرائها!
ومن هنا يبدأ تنفيذ المسلسلات والبرامجيات على وفق شروط وأجندات تلك الفضائيات صاحبة رأس المال فيتم تقديم الوجوه والملاكات والفنانين الذين يقع عليهم الاختيار على أنْ تلتزم بشروط وتعليمات الجهة المنتجة لذا ليس بغريبٍ أنْ يتمَّ استبعاد أسماءٍ وأقصاءُ أخرى لا تتناسب مع أجندات تلك الفضائيات أو توجهاتها، لا سيما من الأسماء الكبيرة من مخرجين وممثلين وكتاب وحتى تقنيين، هذا فضلاً عن غياب الرقابة الفنيَّة والفكريَّة التي تعمل على فحص وتمحيص نصوص تلك الأعمال وتقييمها وتعديلها وتصحيح محتواها إذا تطلب الأمر ذلك، على أنْ تكون لجان تلك الرقابة من أصحاب الاختصاص والخبرة والدراية.
هناك خفايا وهناك عبثٌ تدفع ثمنه الدراما العراقيَّة لتظهر مسطحة ومستنسخة ومقلدة وفاقدة لهويتها، لذا لا بُدَّ من فتح ملف الدراما العراقيَّة والبحث في أسباب نكوصها وما طالها من عبث، لذا فللحديث تتمة.