مظفر النواب يترجل من الريل مودعاً حمد

ثقافة شعبية 2022/05/25
...

  سعد صاحب
أعطى الشاعر إلى الموت صفة الحياة الخالدة، فهو الذي يزوره قبل المجيء، ويطمح إلى لقياه في فرصة قريبة، وربما هذه الجسارة أمام المنية المرعبة، والاستهزاء المبكر بالسراديب المظلمة وحبال المشانق والسجون، يخفف من تلك المهابة، ويقلل من صدمة الرحيل الحقيقية عند الوقوع. ( يجي يوم ازغارنه يعكدون خيط الشمس / بدرابين كل الناس / بلجي هناك حي الله طفل / عن اهله غايب / تجي الدرابين تاخذهم للبساتين / يلكطون الذهب خستاوي فوك السعف ذايب / يجي ذاك اليوم لاجن انه خايف / كبل ذاك اليوم تاكلني العجارب ).
أو إنه تماهى مع هذا الزائر المخيف، الذي يطرق أبوابنا ليلا في هيئات عديدة، مرة بهيئة طفل جميل، ومرة بهيئة عجوز درداء، ومرة بهيئة أشباح تتراقص خلف الستائر. النواب ما عاد خائفاً من الانتقال، إلى العالم الآخر الأكثر انفتاحاً ورحابة، من عوالم الأرض المغلقة بالنار والحديد والحجر، فالرب العادل يكرم الشجعان والأوفياء بأثمن الأوسمة، ويلقي بأصحاب الكبائر، في الدرك الأسفل من الجحيم. (يجي يوم اركض بالدرابين / اتعلك بالشناشيل أبوس البوب / اكولن ييزي يا بغداد / يجي ذاك اليوم وان ما جاش / ادفنوني اعلى حيلي وكصتي البغداد).
    وإن توقف تدفق الدماء في الشرايين، بمثابة تحرير للجسد من كثرة الأوجاع، او الفوز بهوية تقاعد للاستراحة، من هذا الجهد اليومي المتواصل، وما أبهى تحليق الطائر الجريح، في جنات الخالق الواسعة. (يجي يوم / الفرح ياخذ كل مساحي الحلم / يحفر ساجيه ويزكي العمر / ونكله يا عمي فرح راح الربيع / ظلت افطرة حزن / كل يوم اخذها المحطه / شجم محطة جذب مرت / وشكثر سواق جذابين / وزعاطيط افنديه شكلك والله جطله / لاجن يخشون بعيونك يكلولك سريع).   فالموت سياحة جديدة في واحات خضراء، وعلى المرء الواثق من خطواته المتزنة، الابتهاج في ذلك اليوم السعيد، ولا ضرورة لكتابة المراثي الحزينة، او لبس الثياب السود او البكاء على الراحل، فالأبدية ربيع القلوب الذابلة. (يا وحشة الوحده يظل عدل / والطينته من الطين / يا طينة بلدنه يا اصل كل طين / بيهه نعيش وبيهه نموت / وبيهه يخضر من اعيونه البربين / واليندفن بارض اهله عدل حي / يسمع الحنطه ويحس عروكهه بصدره ونشيش الماي / والميت بكاع الغير وحده يموت / وحده لا دمع لا ناس لا تابوت / وحده يموت / غريب ويندفن مثل العرج بسكوت).
مجد
ارتبط النواب بالأرض العراقية المبجلة، رغم ابتعاده عنها ردحاً طويلاً من السنوات، فشعره ما زال غنائيا حتى هذه اللحظة، وتبدو هذه الغنائية واضحة، سواء في القصائد القصيرة او الطويلة، شعر جاذب بسلاسته عند القراءة والحفظ والغناء والإنشاد، وما زال إلى الآن، يحتفي بالبطولة والمجد والموقف النبيل، والشهادة والتضحية والصبر والوفاء، إلى كل شيء عراقي الملامح والقسمات والانتساب. 
(صاحت اخته لا يا خوي لا يا زين / لا تمشيش راك الراك / يبن الحره ما يستوحش التفاك / يابن الحره لابد / ما تفرخ الكاع  هذا عراك / هذا عراكنه الموصوف للعميان والميتين / وادوه الكل حزن وفراك).
ذكريات 
النواب متمسك بالناس والذكريات والطبائع الأصيلة، رافضاً فكرة الولاء إلى السلطة، في كلتا الحالتين سواء كانت ظالمة او عادلة، محرضاً ضد الخضوع للطواغيت في كل الأزمنة، ناقماً على الأفكار الأحادية المريضة. مندداً بأعلى صوته بالجبناء والأنذال والتوابع، وحين يتعب من الصياح، يلوذ بالصمت العميق أو يلتجئ إلى الايماءات، او يبحث بين أروقة العذاب عن بدائل. 
(يصح رد الجبير النوكف ابابه / جثير الهله يا يابه / جثير الهله من غبتوا / التفك ملهاش خطابه / واكلكم روحي غثهه الليل / واختنكت عكبكم بيهه عطابه / مضغبره / واجول من الجول / وكامت بيهه وحشة ليل وترابه).