أفكار خاطئة

منصة 2022/05/30
...

 سهى الطائي 
 
يبدو لنا أنَّ كل ما نتعرض له خلال حياتنا التي نعيشها ما هو إلا مسلسلٌ بحلقات يصيغها القدر بعد أنْ يكتبها الخالق سبحانه وتعالى؛ وقد يدرك المؤدون لكل لقطاتها ومشاهدها أنَّ هناك منها ما كان فيه مخيراً ومنها ما كان مُسيراً دون اختيار، وأكثر ما يرى هذا حقاً هم طلاب العلم وفي ظل اختبارات اقتربت وامتحانات أوشكت تطرق الأبواب، وخاصة للذين وصلوا لمرحلة السادس الإعدادي الذين يفصل بينهم وبين حلمهم الذي قاموا برسمه «معدلٌ» يحقق هذا، فإنْ وقع القدر عليه أتى صاغراً وإنْ عاكستك الأقدار فإنَّه يتلاشى ليدعك تائهاً بين الإدراك لما حصل وبين الإيمان بالواقع الذي قد ينسف كل أمانيك وطموحاتك.
تُقدم لك الحياة بعض الأحيان بدائل أو ربما خيارات أقلَّ بقليلٍ أو كثيرٍ مما ترغب وتحب، كُلنا نعرف أنَّ طالب البكالوريا حين يخرج بمعدلٍ أقل من المتوقع فإنَّه حينها يخضع لحدود الدنيا في القبولات وهذه هي الخيارات الأقل بكثير التي تقدمها لك الحياة، وهنا قد يخضع ذلك الطالب المسكين لعدة ضغوطات منها تدخلات الأهل باختيار كليته التي سوف يتخصص بها، أو أنَّه سيخضع مُرغماً بالرضاء بما قُبل به معدله لأي تخصصٍ كان.
أما عن الخيارات الأخرى التي قد تُلبي أمنياتنا لكنها أقل قليلاً مما نتمنى، لا سيما حين نوضع في زاوية تحقيق الحلم الذي يتطلب دفع المال له ألا وهي الكليات والجامعات الأهليَّة والتي انتشرت وبكثرة في الآونة الأخيرة وبعلم ومُباركة واعتراف من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فكثيرون هم من حققوا حلمهم من خلال سلك اتجاه هذه الكليات وهي شيء جيد بنظري من باب (حقق حلمك بمالك)؛ خيراً من أنْ تدرس بالمجان ما يدخلك معدلك! وكلٌ حسب ظرفه وإمكانيته.
ما نشاهده الآن وعلى ساحات ومراكز التعليم لا يسرّ عدواً ولا صديقاً فهناك كمٌ هائلٌ من الكره والعداوة والتي تصل لحد المقت والازدراء من خريج هذه الكليات، سواء من الملاكات التدريسيَّة الحكوميَّة، ومن طلابها أيضاً على الرغم من أنَّ الأساتذة الذين تلقوا أولئك الطلبة العلم على أيديهم أكثرهم أساتيذ مُتقاعدون لهم باعٌ طويلٌ وخبرة فذة في التدريس، وأنَّ فرق أي طالب أهلي عن حكومي هو أنَّ الأول يستطيع دفع المال لتحقيق الحلم والآخر خضع لضغوط الحياة ورضي بما قسمه الله له مُرغماً.
وقد يكون دافع الحسد هو أحد أكبر أسباب الامتعاض والحقد لهذه الشريحة الكبيرة من الطلاب، ماذا فعل طالب الكليَّة الأهليَّة ليلاقي كل هذا العداء والبُغض من الجميع؟ وهو في نظرهم عاش حياته الجامعيَّة كطفلٍ مُدللٍ لا يُرفض له طلبٌ ولا يُردّ خائباً حين الاعتراض؛ وهو في الحقيقة كان من وجهة نظري يُعامل كإنسان فقط.
يُحترم حين يَحترم ويُقدر إنْ كان مجتهداً، وقد تنظر له جامعته الأهليَّة على أنه رقمٌ أو مبلغٌ ماليٌّ يمشي على أرضها، لهذا كانت توصي دائما التدريسيين فيها بالتعامل معهم بالحسنى قدر الإمكان حتى تحافظ على وجوده لتحقيق التبادل المصلحي بين الجهتين (أعطني مالاً أعطيك علماً) ولأنَّ سوق المنافسة كبيرة وبالإمكان أنْ ينقل الطالب ملفه الدراسي لجامعة أخرى يجد فيها التقدير.
قد لا يفهم بعضنا ماهو السبب وراء التعامل الجاف لخريجي هذه الكليات وما هو الدافع الحقيقي للتقليل من دراستهم والحط من قدر ما حصلوا عليه من تقديرات، حتى بات بعضهم بمعايرته بكليته يعده انتقاصاً منه متهمينها (الجامعات الأهلية) بقلة الرصانة فيها أو غيابها، وبات البعض تتغير ملامح وجوههم ليقولوا (اهاااااا أهلي) وترتسم على وجوههم ملامح لا تُفسر دلالة على الانتقاص وعدم الاحترام.
متى تتغير نظرة المجتمع لشريحة كبيرة جادة قد أُجبرت على سلك هذا الاتجاه للتزود بالعلم محققة حلماً لاح في الأُفق، ومتى تبدأ أو تفكر هذه الكليات بالدفاع عن طالبها المطحون اجتماعياً بسبب أفكارٍ رسمت بمخيلة الناس وقد تكون خاطئة، وما هو سبب تلك الصورة الذهنيَّة السلبيَّة لديهم؟ وإنْ كان هذا حقيقياً لماذا لا تتخذ الوزارة قراراً تمنع فيه هذه الكليات من الوجود وتتوقف عن الاعتراف بها، لأنها ببساطة لا تستطيع تقبل خريجيها المغلوبين على أمرهم في أي مكان.