الدراما العراقيَّة في رمضان نكوصٌ أم فورة إنتاج؟

منصة 2022/05/30
...

  د. عواطف نعيم
كان للدراما العراقيَّة في الموسم الرمضاني الفائت، حضورٌ وتواجد بين وملموسٌ، فقد تبارت القنوات الفضائيَّة العراقيَّة بتقديم نتاجاتها خلال الموسم الرمضاني الذي طوى أوراقه وغادر، وأطلت علينا وجوه سبق لنا أن شاهدناها في أغلب الأعمال والنتاجات التي تقدمها تلك الفضائيات؛ لربما بسبب وجود عقود احتكاريَّة معها أو لسهولة التواجد والتعاون مع تلك الوجوه والتي توزعت بين أن تكون في موضع الإدارة والإشراف على الإنتاج، وبين أن تكون أيضاً في نسيج تلك النتاجات مؤدية إحدى الشخصيات الرئيسة في النتاج الدرامي.
 
كما كان هناك وجودٌ لوجوهٍ جديدة من أصحاب الصفحات والمواقع الالكترونيَّة ومن يطلق عليهم بـ»البروكرات» و»اليوتيوبرات» الذين تم اختيار أغلبهم - ليس بسبب ما يتحلون به من موهبة - بل لما لهم من متابعين ظن القائمون على الإنتاج أنَّ هؤلاء المتابعين سيكونون من متابعي الأعمال التي ضمت وجود من يتابعونهم وتناسوا أنَّ الأعمال الجيدة تفرض حضورها بما تحمل من فكرٍ وأداءٍ واختيار لطبيعة الأفكار التي تناقشها.
كان هناك نتاجات وبرامجيات متنوعة ما بين الكوميديا والأعمال الاجتماعيَّة والاكشن والمسابقات والحواريات، فقد برزت قناة mbc عراق والشرقيَّة ودجلة والرشيد والسومريَّة والقناة الرابعة وutv وتبارت في تقديم تلك الأعمال ولم يكن هناك ما يميز اختيار هذه القناة عن تلك بسبب تقارب وتشابه تلك الأعمال ووجود ذات الوجوه ندور في فلكها! ومن لم يمثل من تلك الوجوه أصبح له برنامجٌ حواريٌّ أو برنامجٌ يعتمد التنافس في الطبخ أو المحيبس أو النكات،.
ونحن هنا لسنا في مجال محاسبة ومراقبة ما تم تقديمه، فهذه مهمَّة نقابة الفنانين ومهمَّة هيئة الإعلام والاتصالات وأيضاً وزارة الثقافة العراقيَّة، لكننا في مجال التقييم والتقويم ووضع النقاط على الحروف بسبب ما ظهرت عليه تلك الأعمال، لا سيما المسلسلات العراقيَّة المقدمة من سطحيَّة وسذاجة وهنبلات فنيَّة وفكريَّة وغياب عنصر الجمال عن أغلبها لذا سنورد الآن عدداً من الملاحظات التي تم تسجيلها:
1- غياب دور الرقابة الفنيَّة والفكريَّة عن النصوص المقدمة وعدم إخضاعها الى تقييمٍ يهذبها ويشذبها ويجعلها مقنعة ورصينة عند الاشتغال، فقد برز جليا ركاكة الحوار وضعف البناء وتفكك الحبكة الدراميَّة، كما أنَّ بعض النصوص كانت مستمدة من نصوصٍ أجنبيَّة وعربيَّة ولم تتم الإشارة حين تقديمها الى الاقتباس أو الإعداد أو حتى التوليف بل وضعت عناوين التأليف صريحة.
2 - ليس ثمة إشرافٌ حقيقيٌّ على تلك المسلسلات يتابع وينبه ويتلافى ما يمكن تلافيه داخل موقع التصوير قبل ظهوره الى المتلقي، ذلك الضعف والرتابة في إدارة الأحداث وارتباك اللقطات واهتزاز الكاميرا وتأرجحها دون وجود مبرر سايكولوجي أو فني أو فكري مع ترصين للحوار وطريقة الملبس أو المكياج أو طبيعة البيئة التي ينتمي إليها المسلسل، فقد كانت البيئة في عددٍ من تلك الأعمال معوّمة ومغرّبة وبعيدة عن محليتها وخصوصيَّة المواقع والأحداث.
3 - كان من الممكن الاستعانة بمختصين يدربون بعض الوجوه الجديدة على الأداء كما تفعل الكثير من الشركات الإنتاجيَّة لتأهيل هذه الوجوه وتزويدها بشيء من الخبرة والدربة بدل تقديمها بذلك الأداء البدائي والمدرسي الضعيف، فالجمال وحده والمتابعون على مواقع التواصل وحدهم ليسوا كافين لتقديم أداء مقنع ومؤثر يحل ضيفاً مرحباً به لدى المتلقي.
4 - تجاهل وجود المخرج العراقي، لا سيما الأسماء المهمَّة على الساحة العراقيَّة والاتجاه الى الاستعانة بالمخرج العربي للمعالجة والتعامل مع نصوصٍ عراقيَّة ذات خصوصيَّة بيئيَّة مع كل الاعتزاز بالفنانين العرب لما يحمل بعضهم من خبرة وكفاءة ولكن أنْ تظهر تلك المسلسلات بذلك الإيقاع الرتيب والمعالجة المدرسيَّة والسذاحة في التعامل مع اللقطة وزوايا الكاميرا وحركتها وتركيبة المشهد فهذا يدعونا لنتساءل لماذا تم استبعاد المخرج العراقي الكفوء؟ وما هو موقف نقابة الفنانين والتي هي من أولى مهماتها أنْ تكون مطلعة على جدول توزيع الشخصيات وتنظيم فرص العمل ومنح المخرج العراقي حقه في الإبداع داخل أرضه ومناقشة ذلك مع جهات الإنتاج بل للنقابة الحق في الاطلاع على النصوص وتقييمها قبل منحها الموافقة على العمل وتوقيع عقود المشاركين من فنانين وفنيين تحت سقفها.
5 - سؤال لا بُدَّ من طرحه مع وجود ذلك الإقبال حتى من شركات عربيَّة على التصوير والعمل داخل العراق: من يمنح تلك الشركات والقنوات الفضائيَّة العراقيَّة والعربيَّة الحق في التصوير والتنقل داخل المدن والمعالم والمواقع العراقيَّة؟ ومن ينسق مع كل تلك الجهات المشرفة والعاملة في تلك الأماكن والمواقع؟ وهل لتلك الجهات معرفة بطبيعة الأعمال التي سيتم إنجازها؟ وكيف وما هو جدواها وتأثيرها في المستوى الاجتماعي والإنساني وأيضاً الفكري والفني؟
6- غياب الدقة والفرز في التقييم والتقديم، إذ إنَّ الواقعيَّة غير الميلودراما التي تلبست بعض الأعمال، مهمة الفنون أنْ ترتقي بالذائقة وأنْ تسمو بالروح وترقق المشاعر وتبث قيم الخير والتسامح بعيداً عن البكائيَّة والحزن المحبط واليأس القاتم.
من مهمات الدراما التنوير وزرع التفاؤل والتبشير بالمستقبل ومنح الأمل في أنَّ التغيير نحو الأفضل قادم، إما أنْ تتحول الأعمال الى تهويمات وبكائيات وفواجع ومن ثم هنبلات وسوبرمانيات لأبطالٍ من ورق تحولوا وبأموال فضائيَّة لا تحسن الاختيار والتمييز الى مخرجين وكتاب وممثلين ومنتجين بقدرة قادر فذلك أمرٌ يدعو للعجب، وأنْ تتحول المأساة العراقيَّة ومعاناة أهلها الى تجارة ومزايدة فهذا عجبٌ آخر.
الحديث عن الدراما العراقيَّة يحتاج الى دراسة وحوارٍ صريحٍ كما يحتاج الى متابعة واهتمام من أصحاب القرار والمختصين ولأجل ذلك لنا مع الدراما العراقيَّة وقفة أخرى.