حياة كينيا البرية .. وضع صعب

بانوراما 2022/05/30
...

  بيتر ميوريوري
  ترجمة: بهاء سلمان
 
كل يوم، وعلى مدى العشرين سنة الماضية، كانت «جويس ناسيريان» تضع حليها اليدوية الصنع بالقرب من مدخل متنزه «ماساي مارا» لبيعها على السياح الزائرين للمكان؛ وساعد المال الذي كسبته هذه المرأة البالغة 46 عاماً على إطعام وتعليم جميع أطفالها الأربعة.
في شمالي كينيا، تكسب نحو 1200 امرأة شبه بدوية أكثر من تسعة ملايين شلن كيني (62 ألف باون) من بيعهن لحلي الخرز على شكل زخارف لزوار قدموا إلى 43 محمية للحياة البرية في سنة 2020. وكما هو الحال مع ناسيريان في منطقة مارا، بيع الحلي الخرزية مثل كسبا ماليا ثابتا لهؤلاء النسوة، لكن هذا الحال كان قبل انتشار جائحة كورونا، أدى انهيار السياحة البيئية خلال الجائحة إلى إلحاق كارثة بالمشاريع الساعية للحفاظ على البيئة ومعيشة الكثيرين في كينيا وما بعدها، وعمل التقليص المفروض على الموازنات المالية والكوادر العاملة، وتقليل الرواتب وإيقاف التنمية ومشاريع التعليم على زيادة حالة الفقر بين المجتمع، مؤديا إلى ارتفاع حالات الصيد الجائر والتجارة غير الشرعية للحياة البرية.
وأشارت تقارير لوكالة رويترز إلى أن الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2020 شهدت خسارة القارة الأفريقية 55 مليار دولار من عائدات السفر والسياحة، وهي أموال موجهة لإدارة برامج حماية البيئة التي تخدم التجمعات السكنية المحلية. وخففت الحكومة الكينية من تقييدات السفر، بيد أن عودة السياح الدوليين تسير ببطء، في الوقت الذي ربما تعمل فيه المخاوف من الانبعاثات الكاربونية الناتجة عن السفر الجوي الطويل على تجنّب الناس الطيران صوب المناطق المحمية.
 
قلة الواردات
يقول «دانييل سوبيا»، رئيس رابطة محميات ماساي مارا للحياة البرية: «الأمر عبارة عن كفاح حقيقي للبقاء على قيد الحياة، فالنساء اللاتي يعتمدن فقط على حلي الخرز تأثرن بشدة بسبب عدم قدوم أي سائح أجنبي إلى المنطقة أثناء ذروة فرض الإجراءات الصارمة الخاصة بكورونا؛ وهبطت مداخيل الأسر بشكل واضح، وتوجب عليهم الاعتماد على الطعام الممنوح من المحسنين».
وتشمل 15 محمية للحياة البرية التي يرأسها سوبيا مساحات كبيرة من الأرض يملكها أفراد من قبيلة ماساي، ويقوم مالكو الأرض التي تغطي مساحة أكثر من  14 ألف هكتار، بتأجيرها مخيّمات ومساكن لشركات رحلات السفاري، التي تدفع رسوماً تموّل مشاريع المياه والرعاية الصحية والتعليم، علاوة على تأسيس مصالح تجارية صغيرة. وبالمقابل، يحمي مالكو الأرض، وعددهم 14500 فرد، التنوّع الإحيائي ضمن النظام البيئي لمنطقة مارا بالوقت نفسه الذي يحافظون فيه على أسلوب حياتهم.
قبل أربع سنوات من الجائحة، أسهمت المحميات الطبيعية بنحو 120 مليون شلن كيني في البرامج الاجتماعية بالمنطقة. وقبل سنتين، انخفضت الدفوعات المالية لمالكي الأرض إلى النصف، الأمر الذي أرغم المحميات على تعليق عمليات محددة، والتركيز على الأولويات، مثل المخصصات المالية لحراس المحميات. وتوجب على سوبيا وفريقه العمل بجد لتجنب حصول انهيار كلي لبرامج الحفاظ على البيئة.
 
وضع صعب
يقول سوبيا: «بقيت المحميات عاملة خلال فترة الجائحة برغم فقدان الدخل المالي الوارد من السياحة. كنا محظوظين بتحشيد بعض الموارد من شركائنا في التنمية والمؤسسات الأهلية، لتساعدنا بتأمين رواتب الحراس، وحصص الطعام والوقود وإدامة العجلات. نتأمل أن تبقى هذه الترتيبات سارية لغاية حزيران 2022، مع عدم اعتماد المحميات تدريجيا على مثل هذه المساعدات».
وتعمل بعض المنظمات الأجنبية حاليا على العودة لمزاولة نشاطها بعد سنتين من التوقف. وتمكّنت مؤسسة «توسك» الخيرية البريطانية في شهر آذار الماضي من جلب خبراء بالمحميات الطبيعية من أرجاء أفريقيا إلى ندوة جرت في ماساي مارا، لمساعدة المنظمات على تنويع جمع المال وتشييد وحدات مرنة.
ومنذ 1990، جمعت توسك أكثر من 80 مليون باوند لمشاريع المحميات عبر أكثر من عشرين بلد أفريقي، أسهمت في حماية أكثر من 40 نوعا مهددا بالانقراض. ويسعى البرنامج القادم للمؤسسة بجمع المال لأجل الحراس الذين انخفضت رواتبهم أثناء الجائحة.
أما «وانجيكو كينوثيا»، مسؤولة التخطيط لمجموعة مالياسيلي، التي تقدم الدعم لنحو عشرين منظمة في سبع دول، فتأمل بأن الاهتمام المتجدد بالنقاشات المستفيضة حول حماية بيئة أفريقيا سيعزز دور المنظمات الصغيرة التي غالبا ما تترك خارج القرارات المصيرية، رغم كونها الأقرب إلى التجمعات السكنية المتعرّضة إلى وطأة الانهيار البيئي، وتقول: «غالبا لا تظهر هذه المنظمات في الحوارات الدولية. إنهم لا يفهمون كيف تعمل وسائط الإعلام أو كيف تروى قصصهم، وبمقدورنا أن نكون العامل المحفّز للتغيير لمثل هذه المنظمات الشعبية».
 
تعطيل حكومي
مع ذلك، يشير بعض الناشطين بحماية البيئة إلى أن الوسيلة الوحيدة لإدامة برامج المحميات وتفادي الارتباك هي زيادة دعم الدولة لهذا القطاع، الأمر الذي يمثل تحدياً حاليا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار المستويات المتدنية من الإنفاق الحكومي. 
ويقول «ديكسون كايلو»، رئيس رابطة «كينيا لمحميات الحياة البرية»، باعتماد الدول الأفريقية على المانحين الأجانب لتمويل التنمية، والمحميات ليست مستثناة من هذا الأمر. «لا توجد أية استجابة لقطع المعونة الخارجية، ولا يوجد هناك أية دوافع حكومية لتأسيس هيئة لحماية فيل ما يسير بحالة مزرية فوق حياة وممتلكات مدمرة. إن كنت تعمل في القطاع الزراعي، بإمكانك تحصيل قرض لشراء جرار، لكن لا توجد أية مؤسسة تعطي قروضا لأولئك الراغبين بالاستثمار في حماية الحياة البرية. وبينما يحصل من يشتري عجلة لنقل السياح على خصم ضريبي، لا نحصل نحن على المزايا نفسها حينما نشتري شاحنة لحراس الحياة البرية».
ويضيف كايلو موضحاً: «تعمل الحكومة على خلق قوانين من شأنها إعاقة المحميات، وبضمنها قانون الموارد الطبيعية، بتوليفة تشير إلى أن المحميات تعطي ثمانين بالمئة من عائداتها إلى الحكومة، وإعطاء أقل من 13 بالمئة إلى التجمعات السكنية المحلية، علاوة على ذلك، تطلب منك الحكومة الإتيان بخطط إدارية، ودراسة ستراتيجية وبيئية، وإجراءات تسجيل متعددة وموافقات أخرى قبل تأسيس محمية خاصة. إن كنت ترغب بتأجير أرض، فعليك دفع رسوم الطابع بقيمة اثنين بالمئة لكامل مدة الإيجار، لنقل عشرين سنة، وتدفع ذلك مقدما، لماذا لا نرى مثل هذه القوانين عندما يريد أحدهم قطع الأشجار؟».
 
صحيفة الغارديان البريطانية