ما الذي يخبرنا به أثاث الإليزيه عن فرنسا؟

بانوراما 2022/05/30
...

  ليزا لويس
  ترجمة: ليندا أدور
 
بالتزامن مع احتدام التنافس بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي أُعيد انتخابه لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت مؤخراً، ومنافسته، مارين لوبان، من اليمين المتطرف،  دخلت وكالة الأثاث الوطني Mobilier National ، في حالة تأهب، إذ تعد فترة الانتخابات في البلاد من أكثر الفترات انشغالا بالنسبة للمؤسسة، لما يمثله أثاث قصر الإليزيه بالنسبة لفرنسا وما يقال عنه بأنه يتبع أسلوب الرئيس. 
تقول موريل باربييه، رئيسة قسم المراقبة لدى المؤسسة الممولة من الدولة والتي يعمل 365 عاملا فيها على تجهيز نحو 100 ألف قطعة أثاث وسجاد لجميع المؤسسات العامة في فرنسا بضمنها الإليزيه، بأنه: «حتى بعد فوز ماكرون، فإننا نتهيأ لعاصفة من الطلبات التي سترد إلينا»، مضيفة «فقد يرغب ماكرون بتغيير المزيد من قطع أثاث الإليزيه، وبعد تشكيل الحكومة، قد يرغب الوزراء الجدد بتجديد أثاث مكاتبهم».
رياح ماكرون المنعشة
مستذكرة ، تقول باربييه: «عندما تولى ماكرون السلطة للمرة الأولى في العام 2017، قام بتجديد قاعة الاحتفالات في القصر»، إذ طالت التغييرات في القاعة التي يؤدي فيها الرئيس اليمين، السجادة والستائر التي كانت باللونين الأحمر الداكن والذهبي، الأمر الذي كان يجعلها تبدو مظلمة للغاية. «قامت المصممة الفرنسية إيزابيل ستانيسلاس، التي فازت بمناقصة التجديد حينها، باقتراح استبدالها بسجادة بلون رمادي فاتح، مع ريش ذهبي خافت وستائر ناعمة، وتم خفض مستوى تعليق الثريات، ما جعل القاعة تبدو أكثر إشراقا»، والحديث لباربييه. أدخل ماكرون الرياح المنعشة للقصر الذي يعود بناؤه للعام 1722، فقد حصل الرئيس الذي كان يبلغ من العمر 39 سنة حينها، على سجادة جديدة للسلم المعروف بـ «درج مورات»، الذي بني على الطراز الامبراطوري الكلاسيكي، تشير باربييه إلى أن السجادة الجديدة، وهي من تصميم الفنانة المعاصرة ناتالي جونود بونسارد، صممت لتتحول من اللون الأزرق الداكن إلى الأحمر الداكن، في إشارة إلى ألوان العلم الوطنية، بغياب اللون الأبيض».
ربما كانت طاولة مكتب ماكرون هي الأكثر جذبا للاهتمام، إذ تم اكتشافها من قبل بريجيت، زوجة ماكرون وهي للمصمم والمهندس الفرنسي، تييري لومير وأختيرت لمكتب ماكرون الذهبي، والمصنوعة من خشب وينج الداكن، وعليها لبادة من الجلد وتحتوي على جارور مصنوع من النحاس اللامع. 
 
لويس ملك الشمس
تقف هذه التصاميم الحديثة في تناقض صارخ مع الطاولة التي تعود إلى القرن الثامن عشر والمصنوعة على طراز لويس الخامس عشر أو الروكوكو، وهي من صنع النحات وصانع الأثاث الفرنسي تشارلز كريسينت، والمصنوعة من خشب القلب الإرجواني والمزخرفة بشرائط برونزية، إذ قرأ ووقع عليها معظم رؤساء فرنسا قراراتهم ووثائقهم.
من بين عشرات قطع الأثاث التي صممها لومير إلى الإليزيه هي حوامل «الخوذة Hellmet “ الصغيرة والمستديرة المصنوعة من 40 كيلوغراما من البرونز وأريكة ملابس بلون أزرق غامق بزخارف برونزية على الأطراف، يرى لومير بأنه: «من الضروري أن يكون في الإليزيه مكان لقطع حديثة ومعاصرة كهذه لأنه يمثل فرنسا اليوم».
نزولا عند رغبة الملك هنري الرابع لمنافسة واردات السجاد من الأراضي المنخفضة والفلاندرز، تم تأسيس هذه المؤسسة في العام 1604 واتخذت Mobilier National اسماً لها في العام 1870، كما قام بتأسيس شركة النسيج المعروفة باسم «مصنع جوبيلينز»، وكل ذلك كان نوعا من الحمائية، وفقا لباربييه. يشار إلى أن الملك لويس الرابع عشر، الذي يسمى «ملك الشمس» لطبيعته المتمركزة حول ذاته، أراد هو الآخر أن يظهر من خلال أثاثه بأنه الأقوى والأكثر نفوذا بين باقي الملوك في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
 
بومبيدو والثلاثون المجيدة
قلة من الرؤساء قاموا بإدخال التصاميم الحديثة للإليزيه منذ العام 1958، أي عندما تشكلت الجمهورية الفرنسية الخامسة، نظام الحكم الحالي في البلاد، إذ يفضل معظمهم الأسلوب الكلاسيكي في الأثاث، حتى الجدد منهم مثل الاشتراكي فرانسوا أولاند والمحافظ نيكولا ساركوزي لم يجددوا أي شيء فيه. كان الاستثناء الوحيد بينهم هو جورج بومبيدو، الذي حكم للفترة ما بين الأعوام 1969 ولغاية 1974، مع اقتراب نهاية ثلاثة عقود من النمو الاقتصادي السريع والتي يطلق عليها «الثلاثين المجيدة Les Trente Glorieuses”. “كان بومبيدو وزوجته كلود، من عشاق الفن المعاصر، وكانا على تواصل مع المصممين الحديثين في باريس وبلدان أخرى»، تقول باربييه. وهكذا، وجد كرسي بذراعين على شكل زهرة التوليب من تصميم بيير بولين والمستوحى من المفاهيم الاسكندنافية واليابانية المصنوع من الألمنيوم المغطى بالجلد، مكانا له في القصر. ومع تولي الاشتراكي فرانسوا ميتران، الحكم للفترة ما بين 1981 - 1995، واصل عمليات تحديث أثاث الحكومة الفرنسية، مضيفا قطعا من تصميم بولان وأخرى من تصميم المصمم الصناعي الباريسي فيليب ستارك، «بدا القصر في فترة الثمانينيات من القرن الماضي وكأنه جزء من فيلم الخيال العلمي» والحديث لباربييه. تماشى هذا النمط من الأثاث مع سياسة ميتران التقدمية، حين ألغى عقوبة الإعدام ومنح الحقوق للمهاجرين الذين دخلوا البلاد بصورة غير شرعية. 
لا يزال في الإليزيه العديد من قطع الأثاث الكلاسيكي، لكن ماكرون و Mobilier National منفتحان على اتجاهات جديدة، إذ أصبحت المؤسسة أكثر عالمية بعد أن كانت حمائية، تقول باربييه: «بعد كل ما تقدم، نحن جزء من أوروبا، ونحن على تواصل دائم مع فنانين عالميين ومؤسسات مماثلة كالمجموعة الملكية في بريطانيا التي تشرف على تأثيث قصر باكنغهام للأسرة الملكية.  
 
*موقع دويتشه فيله الألماني