الغضب السياسي لا يبني دولة

العراق 2019/03/24
...


ابراهيم العبادي
 
لم يكن العراق بحاجة الى كارثة جديدة ،ليتفجر غضب مكبوت وانفعال كبير ، فالغضب العراقي سمة انفعالية واضحة تضج بها وسائل الاعلام واحاديث الناس اليومية وحركات الاحتجاج المختلفة ،لكن ما كشفته حادثة انقلاب العبّارة الموصلية كان كافيا ليوصل آخر الرسائل العاصفة التي تنذر بالمزيد والخطير من التعبيرات الاجتماعية الغاضبة،مبدئيا تسعى الحكومات الى امتصاص غضب الشارع وتهدئة  النفوس ، خوفا من انتقال الغضب الى حالات احباط يعقبه انفجار اجتماعي وعدوان جمعي وانفلات امني يقود الى هزات سياسية وامنية وشلل اقتصادي وخسائر مادية وبشرية يصعب جبرانها .
هناك مسببات كثيرة لغضب الناس في العراق، من البصرة جنوبا الى الموصل شمالا مرورا بكل المحافظات ،القاسم المشترك الذي يوحد الناس في غضبهم هو توالي النكبات والاخطاء وعجز الحكومات التي تنتجها الطبقة السياسية الحالية عن احداث تغيير ملحوظ في الاداء والانجاز والفاعلية الادارية والانتاجية والرقابية ،باختصار كبير ،البلاد تعاني من ازمة حوكمة ومايزال العراق يصنف بانه بعيد عن بلوغ  الحكم الرشيد ،الذي يضمن للناس أمنهم وحقوقهم  المادية والمعنوية ويحسّن من مستوى ونوعية  حياتهم ،وكل ذلك مشروط باداء اداري قوي وفعالية انتاجية ملموسة ونمو اقتصادي وتحسن خدماتي كبير .
ما أعاق النظام السياسي عن ارضاء الشعب ونيل مرتبة مقبولية كبيرة لديه  ،هو جملة اسباب ومشكلات بنيوية في هياكل الدولة وبيروقراطيتها وقوانينها وتشريعاتها ،ثم التركيبة السياسية للحكم وتوليفة السلطات والعيوب الكبيرة التي رافقت البناء السياسي للنظام الجديد ،حتى اصبح لا يقوى على مواجهة التحديات الا بصعوبات كبيرة وبمراهنة على طاقات وصبر كبيرين  لازال  الشعب يختزنهما  رغم حجم الانهاك وكثرة الضربات والكوارث  ، والرضوض النفسية التي تعرض لها .
ما يثير الدهشة والاستغراب هو استمرار غضب الجميع من الجميع ، شكوى  المواطن من المسؤول متهما اياه بالفساد  ،وتحجج المسؤول بضآلة الامكانيات وانعدام تعاون المواطنين وانخفاض انتاجية الفرد وغياب الحرص وتدني اخلاقيات المهنة والانضباط. على هذه الشاكلة تدور ساعة العراقي وتمضي ايامه ، فيمسي غاضبا ويصبح حانقا ، دون ان يلمس تحسنا كبيرا في مستوى الحياة اليومية ،ثم تداهمه النكبات فلايجد غير ان يصب جام غضبه على النظام السياسي محملا اياه مسؤولية كل شيء ،حتى قضاء الله وقدره ، وبالتاكيد فان من وظائف السلطة ، هي تدبير الامور والاحتساب لكل طارئ والتخطيط للمستقبل ،لكن ما يجري لدينا هو اننا جميعا ننفث في نيران الغضب ،  دون ان نشرع بمدونة  عقلانية مدروسة  نحو  الاصلاح والتغيير ،فالذي في صلب السلطة يطالب بالتغيير ،  ومن هو خارجها يصرخ هو الاخر  بالتغيير ،لكننا لم نبدأ خطوة جادة بالتغيير بل مازلنا نعيد انتاج السلطات بالكيفية التي تجعلها عاجزة وبطيئة ومكبلة ،  بسبب الحصص والمحسوبيات والفساد المستشري  ، لاشك انها حلقة مفرغة لا تنتج سوى الغضب ومزيد من الاحباط ،فيما يظل الغضب انفعالا خطيرا غير منتج ولابناء ، لايبني دولة ولايحسن من كفاءة النظام واجهزته بل هو في احسن الاحوال عامل ضغط وتحفيز  وجرس انذار لمن القى السمع 
وهو شهيد .