المسخ

ثقافة 2019/03/24
...

أفراح سالم
 
 
 كان يومًا مختلفًا عن بقية الأيام، الشمس ساطعة؛ حرارتها كالأتون المتّقد، الشارع مزدحم والضوضاء تعمُّ المكان، ثمّة رجل كهل يجلس وحيدًا، قرب إحدى المحال التجارية، وقد بدت عليه سيماء الحزن، منتظرًا بملابسه الرثة من يعطف عليه بكسرة خبز. بينما الباعة المتجولون يتسابقون ويتفنون بعمليات بيع وتصريف بضائعهم المستعملة والأخرى رخيصة الثمن. تقدم رجل ذو شكل مريب صوب ضجّة تلك المحال التجارية وهو ينظر حوله كمن يستطلع المكان.
 أخرج كاميرا متوسطة الحجم وراح يصوّر كلّ ما يقع عليه بصره، لكنّه أظهر انزعاجًا من صوت شيخ عجوز ألحّ عليه بسؤال الاستجداء وهو يبسط كفيه ذليلًا. توقّف الرجل عن التصوير، اقترب من المتسوّل مدقّقًا في تفاصيل ملامحه المتعبة بعينيه الجاحظتين وقد احتقن وجهه بالغيظ وصار يبصق على الأرض وهو يشعر 
بالقرف. 
تابع طريقه فانعكس ظلّه على الأرض ثمّ سرعان ما انفصل ذلك الظل ليتحوّل الى هيئة إنسان عادي. سار ملاصقًا له، امتعض الرجل ونظر حيث الظل بحنق، رأى وجهًا بلا ملامح! ارتعدَ، حثّ الخطى هاربًا، قفز الظل صوبه، تشبّثَ به حتى تعثرا ووقعا 
أرضًا. 
جُرحت يد الرجل، نهض بصعوبة، نفضَ التراب عن ملابسه، هرع الى أقرب محل عام، طلب منه الاغتسال، رفض صاحب المحل! انزعج الرجل وانسحب متمتمًا بكلمات مبهمة، نظر حوله خوفًا من ذلك الظل الذي ظلّ يتعقبه، وما إن تخلّص منه حتى تنفّس الصعداء، حاول ايقاف سيارة للأجرة لكن دون جدوى، قرر الابتعاد سيرًا على الأقدام، أحسّ بشيء غريب يحدث في الأرجاء، كان الجميع يهرب من حوله ومن أمامه. نظر ذات اليمين والشمال، أصيب بهاجس وجود ذلك الظل الثقيل، لم ينتبه أحد لأزرار سترته المفتوحة، حرص على اغلاق تلك الأزرار بعد أن تأكد من عدم ظهور المسدس الذي يحمله معتقدًا بأن الجميع علم بحقيقته فكان عليه أن يحثّ الخطى ليصل منزله ويتوارى عن الانظار. 
أخيرًا وصل الى منزله، دخل الحمام مسرعًا، اغتسل وقد شعر بلذة المياه وهي تتوزع بين تفاصيل جسده، وما أن خرج حتى وقف أمام المرآة فصُعِقَ عندما وجد نفسه وقد تحول مسخًا.