حروف مغمسة بالرجاء الذهبي ينحت عتابه على حائط الغياب

ثقافة شعبية 2022/06/02
...

 سعد صاحب 
(امعاتبين) قصيدة غنائية فيها الكثير من الألم الحقيقي الصادق، وكأنها صيحة من داخل القلب المدمى، او صرخة فورية حارة ممزوجة بالعتاب المر، او شهقة يرافقها العويل، مؤطرة بعذابات الرجل الجنوبي الذي يعاتب الغائبين من الأعماق، وهذا العتب الحار يجهد القلب والروح والضمير والأعصاب، فالموج لا يعرف الهدوء والراحة والسكون، والشواطئ ثائرة على الدوام، وعتابها يؤلم الوجدان. (امعاتبين / اجدامكم عتب الشواطي امعاتبين / منتهين / صرنة سباح بجرفكم منتهين).
اهتمام 
حين تعاتب الآخر بقسوة يعني أنك تمنحه الاهتمام، وهذا الانتباه لا تفسير له سوى الحب النابع من القلب، والعشق فعل جوهري يستحوذ على أرواحنا المسكونة بالهيام، وهو نشاط عقلي يتفاعل مع الأحلام والأماني والذكريات، ولحظة المجيء مهرجان من الأفراح والألوان والهلاهل. (يلي شوفتكم عزيزة اعلى المضايف / يلي جيتكم طعم فوك الشفايف / ماينه انتم واحنه ليكم
معتنين). 
استثارة 
من أسباب الاستثارة الوجد واللهفة والاحتراق، والأفكار المتوثبة في دماغنا بصورة مستمرة، دافعها الحنين، وكلما كنا سعداء في تجاربنا الإنسانية، كانت نظرتنا إلى العالم إيجابية وعفوية ومتفائلة، وتكون طاقة الروح في ذروتها، ويتضاعف عندنا الشعور بالحرية والاكتفاء والرحابة والاتساع، وعند الانتكاسة النفسية تنقلب الأمور رأساً على عقب، ويتشح قاموسنا الشعري بالسراب والرمال والظمأ والحيف والضياع 
والبرم. (امعاتبين وسوربتنه اعيونكم برمال صيف / والعطش لم الحراثي / وفاضت الكيعان حيف / وفرحت الدنيا بهواكم / وانرسم بجفوني طيف / وظلت العشرة سواجي / تفيض بينه من 
الحنين).
انفتاح 
الضربة في النص مفردة (امعاتبين) التي تتكرر ما يقارب ( 7 ) مرات، وهي الكلمة المحورية في القصيدة، وربما سبب النجاح يعود إليها وهذا الدخول الذكي يعطي فرصة لخيال المتلقي بالانفتاح على احتمالات كثيرة. (امعاتبين / وياسفينة الظل يحب اشراعها امناحر الريح ).
تراث 
 بقدر ميل محمد عبد الرضا الذهبي إلى التجديد، لا يغادر التراث حد القطيعة، ومعظم كتاباته تدور في الأرض الجنوبية المليئة بالمعاني والترانيم والرقص والموسيقى، والمشبعة بالاحساس و الفطرة و الاستجابة والخفايا، مفردات ولدت من رحم البيئة، ومن معاناة الناس البسطاء، ومن سهرات المضايف، ومن كل مكونات ذلك المكان المتاحة لكل ناظر، وهذا ما يؤكد أصالتها وميراثها الحي الذي لا يموت. (تالي حتى الليل / ماخذ طيفكم غفله ويصيح / هذا غربيل الوكت /حباته  خشنه وما تطيح / يلي حتى ايامنه وياكم نستنه / وفوكها انتم ملتهين / الشوك اخذنه واحنه ليكم منتهين / 
امعاتبين). 
بحور 
وزنياً القصيدة مكتوبة على بحر الرمل (فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلات ) ومثالنا في التطبيق ( سوربتنه اعيونكم برمال صيف)، ما عدا البيت الأول فقط يجمع بين بحري الرجز والكامل، ويكون تقطيعه بالشكل التالي (مستفعلن/ مستفعلن / متفاعلن / مستفعلان .   
ثقافة موسيقية 
عبد الحسين السماوي صاحب أسلوب موسيقي رشيق، فيه الكثير من الحرفية والتماسك، جديد في انشاء جملته اللحنية، التي تتقبلها الأذن بأريحية ومحبة وتعاطف، وهذا ما يؤكد امتلاكه لثقافة موسيقية واسعة، لحن هذه الأغنية نابع من قلب الأهوار الوديع، ومن رنات الفناجين وأنين القصب، ومن نواح الحمام الغريب المطارد، ومن حرارة رمال الصيف الحارقة. وعبرت عن هموم عديدة يعيشها سكان تلك المناطق النائية، تقف وراءها زغاريد أسراب طيور الماء، وذبذبات الأمواج الثائرة وأناشيد النساء الجنوبيات، ودعاء الفلاحين وأمنياتهم بموسم 
خير وفير، ولا نغفل صوت مطربها كمال محمد، الذي أقل ما نقول عنه بالمرهف الحساس.