قحطان الزيادي
جميع الشعوب حول العالم تجتمع وتشترك بأشياء معينة في أحلامها ومشكلاتها، لكن لكل شعب هويته الخاصة، التي تميزه عن غيره من الشعوب، ولكل منها أصل معين وتاريخ ولغة ودين.. الخ من الاختلافات، يجتمعون تحت هوية وطنية جامعة لكل الأطياف، وعندما نسلط الضوء على الحالة العراقية من كونه حالة مثل اي دولة أخرى فيها مختلف القوميات والأديان تعيش مع بعضها ومنذ سنوات، فمنذ قيام الدولة العراقية الحديثة عام ١٩٢٠ لم تنجح باقامة هوية وطنية جامعة، تجمع مكونات الشعب المختلفة، وخلال الحقب الماضية رفعت العديد من الشعارات القومية وأخرى دينية، الا أن هذه الهوية لم تستطع جمع العراقيين حولها؛ والتمسك بالهويات الفرعية في ظل غياب الهوية الوطنية، وضعف تجانس المجتمع العراقي، وضعف عقيدته الوطنية العراقية، وأحدث ذلك خللا وشرخا بين مكونات المجتمع، استغلته القوى والأطراف السياسيَّة لتحقيق مكاسب شخصية وآنية ضيقة.
بسبب ضعف روح المواطنة، والدعوة للتمسك بالانتماءات التقليدية، بحثا عن الحماية وكبديل عن الانتماء للهوية الوطنية.
لقد أكدت أحداث ما بعد عام 2003 والتحديات، التي يواجهها العراق ضرورة إعادة النظر في مسألة الهوية الوطنية العراقية وبنائها، بضوء خصوصية المجتمع العراقي، لتصبح حقيقة ملموسة في مجتمع يتصف بخصائص تميزه عن محيطه العربي ومحيطه الإقليمي، ونحن كمجتمع عراقي نحتاج واقعياً إلى هوية وطنية تقوم بشكل أساسي على القبول بالاختلاف والتعددية والتعايش مع الآخر، والعمل معاً لبناء دولة مدنية تعتمد فيها المواطنة كمعرف أوحد للجميع، ويستوجب بناء الهوية الوطنية العراقية أن تتصف بسمة الهوية الجامعة والمؤطرة للهويات الفرعية، والافتقار إلى هذه السمة يخلق حالة من الانفصال بين الدولة ومكونات مجتمعها، ويجب أن ترتكز الهوية الوطنية على إيجاد قيم مشتركة بين جميع مكونات المجتمع العراقي، واستيعابها في بنى الدولة ومؤسساتها لتحقيق الترابط والانسجام بين الهويات الفرعية والهوية الوطنية، التي تتجسد في المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية.
ومما تقدم يتضح لدينا أن القوى الموثرة في القرار العراقي، لم تكن معتدلة في ادائها السياسي، وذلك لانطلاقها من توجهات سياسية تستند إلى الهويات الفرعية “المذهبية والقومية”، الأمر الذي أثر سلبا في عملها وجعلها تتحول من الدفاع عن وطن، إلى الدفاع عن مصالح المذهب المعين والقومية المعينة، وهذه الحالة أدت في النهاية إلى تشجيع الانقسام المجتمعي، الذي بات هو الآخر مفصلا بحسب تقسيمات قواه السياسية، وفي النتيجة كانت الهوية الوطنية العراقية هي المتضرر الأكبر من ذلك، وعلى هذا الأساس نستطيع القول من أن الهوية الوطنية العراقية بعد عام 2003، أصبحت تعيش في حالة أزمة حقيقية، وعدم وضوح في تحديد ماهيتها وفحواها، والأسباب التي وقفت وراء ذلك كثيرة.