يحيی حسين زامل
ألم يحن الأوان أن ننتقل بدراساتنا الوصفية والتحليلية والتفسيرية إلى النقدية. ألم يكفنا إنّا منذ أكثر من سبعين عاما، نقدم دراسات تقليدية عن مجتمعاتنا، ولا نكون سبباً في التغيير أو التجديد.
ألم يحن الأوان أن نغير من توجهاتنا الوظيفية والبنائية، ونستعمل توجهات أكثر جدة وحداثة، هل نحتاج إلى صدمة ثقافية واجتماعية، تعيد لنا وعينا لندرك ما يجري حولنا.
كل هذه الّتساؤلات وغيرها كثير يجب أن نثيرها، حتى نكون قد أدّينا الأمانة التي نحملها ونعطي حق السنوات التي درسنا فيها النظريات الاجتماعية والثقافية لنخرج بحصيلة ما، تنفع مجتمعاتنا وتنمّي بلداننا.
ونجعل من أبناء مجتمعاتنا واعين ومدركين وضعهم الاجتماعي والثقافي.
يكفينا أننا ملأنا رفوف مكتباتنا بدراسات تقريرية، تعمل في “المنطقة الرمادية” التي لا تجدي نفعاً إلا لصاحبها، ليحصل على شهادة أكاديمية تغير من وضعه الاقتصادي فحسب. وليس لها أي تأثير علمي أو معرفي.
لا شكَّ أن الركود التنموي الذي تشهده بلداننا هو نتيجة عدم اكتراثنا به.
أو عدم الاهتمام به وأهماله، وعدم تناوله في دراساتنا التي بدت مكرورة وخالية من أي جدوى علمية.
مضت تلك الحقبة التي جلَّ طموحها التعرف على ثقافة المجتمع وتبيان عناصره الاجتماعية والثقافية أو النفسية، وتحليل تلك العناصر ومعرفة جذورها التاريخية. فلسنا في مرحلة “الأنثروبولوجيا الاستعمارية”، التي تطمح إلى معرفة مكامن القوة والضعف في الثقافات للسيطرة عليها، أو استعمارها أو استغلالها والحصول على ثرواتها.
لقد شخّصت الدراسات التي أطُلق عليها “ما بعد الكونيالية” الانساق والأنظمة والمؤسسات والسلوكات، التي يجب أن نهتم بها لتطوير مجتمعاتنا.
لقد انتقلت تلك الحقبة الاستعمارية منذ زمن. وانتقلت تلك الدراسات بوساطة أكاديميين كُثر، كانوا أكثر وعياً وإدراكاً بما تحتاجه مجتمعاتهم.
إن الأنثروبولوجيا النقدية التي نشير إليها هي الحل الأمثل لدراساتنا، التي استهلكت ورقنا وحبرنا ومطابعنا من دون طائل. هي الطريق الذي يدلنا على عيوبنا وعوراتنا الاجتماعية والثقافية، العيوب التي يجب أن تتبدل وتتغير بالتثقيف والإقناع أو بالقوة والجزاء. وإلا مثلا ما جدوى ممارسة (العراضة)، حين يموت أحد الأشخاص، ويبدأ الممارسون لتلك العادة الاجتماعية بالقفز والدبك مع إطلاق النار. والتي تضرر الكثير منها، أمّا بالقتل أو الإصابة بعوق أو غيره من الأضرار. وأنك حين تشاهد تلك الممارسة لا تجد فرقاً بينها وبين أبناء المجتمعات الهندية أو الإفريقية البدائية. وربما هم أحسن سلوكاً، فقد يكتفون بالدبك والرقص من دون استعمال الرصاص أو العيارات الناريَّة.
آن الأوان أن تقف النخب الأكاديميَّة وقفة جادة لا سيما لجان “السيمنر” في كلياتنا للتغيير من نمط درساتنا واختيار عنوانات، تحاكي الاتجاه النقدي الذي يطمح للتغيير والتجديد.