المادة ٣٩٨ وغيرها

آراء 2022/06/08
...

 نرمين المفتي 
 
في الأيام الماضية، أصبح الوسم- هاشتاغ، الذي وضعته ناشطات تسويات عراقيات (# الغاء المادة 398)، ترند بمعنى الأكثر تداولا أو شيوعا على تويتر عراقيا، وهي المادة من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، والتي تنص (اذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل، وبين المجنى عليها عدَّ ذلك عذرا قانونيا مخففا، لغرض تطبيق أحكام المادتين 130 و131 من قانون العقوبات. وإذا انتهى عقد الزواج بطلاق صادر عن الزوج بغير سبب مشروع او بطلاق حكمت به المحكمة، لأسباب تتعلق بخطأ الزوج أو سوء تصرفه وذلك قبل انقضاء ثلاث سنوات على الحكم في الدعوى، يعاد النظر بالعقوبة لتشديدها بطلب من الإدعاء العام أو من المجنى عليها، أو من كل ذي مصلحة). اما الجرائم الواردة في الفصل، فكلها تعني اغتصاب الأنثى. هناك من يرى أن هذه المادة ستنقذ المرأة من القتل بذريعة (غسل العار)، رغم أنها الضحية والمفروض مساندتها ودعمها، واصحاب هذا الرأي يعتقدون أن مغتصبها، الذي اصبح زوجها سيحميها، انما في الواقع هو يحمي نفسه من تطبيق العقوبات الواردة في المواد السابقة للمادة 398، ومن بينها عقوبة الاعدام. وليس مستبعدا أن تكون الأنثى الضحية مهانة من قبل عائلة مغتصبها، الذي أصبح زوجها وليس مستبعدا أن يسيء الزوج معاملتها، ما يدفعها إلى الانتحار أو الهروب، وتصبح طريدة عائلتها لقتلها وقد تنحرف سلوكيا. وإن افترضنا أن المغتصب سيحاول أن يكفر عن ذنبه، فإن الأنثى التي أصبحت زوجته من المستحيل أن تنسى رعب الاغتصاب وألمه ووجعه، الذي يجرح روحها إلى الأبد، خاصة إن كانت قاصرا، وتستمر تخافه، ما يجعل حياتها جحيما ويدفع المغتصب- الزوج إلى تطليقها قبل (ثلاث سنوات)، والفرار بعيدا من وجه العدالة، وبالتالي تصبح (عارا) على عائلتها. أن المغتصب وحش بشري تقوده نزواته الشريرة ومن بينها نزوة الانتقام من عائلة أو عشيرة ما، ولا بدَّ من إنزال العقوبة به ليكون عبرة لغيره. ولا بدَّ من وضع قانون يمنع قتل الأنثى المغتصبة، لأنها كما أسلفت ضحية وهي ليست عارا، إنما يجب أن يلصق العار بالمغتصب الذكر وعائلته وعشيرته في حال عدم تسلميه للسلطات المختصة. وهناك من القانونيين من قال إن المادة لا تستحق الإلغاء لأنها تشترط (الزواج الصحيح)، اي لا بدَّ من موافقة الأنثى ليكون زواجا صحيحا. ولكن هل تملك خيار الرفض؟
وفي كل الاحوال، اتفقت الناشطات النسويات أن المرأة مظلومة في القوانين العراقية، ولا بدَّ من الالتفات إلى حقوقها وأن غالبية المنتحرات إنما هن ضحايا اغتصاب قتلن (غسلا للعار)، وسجلت الجرائم على أنها انتحار أو دُفعن إلى الانتحار أما بسبب وضعها النفسي او بضغط من عائلتها.
حين ناقشنا قانون الحد من العنف الأسري، افتهم البعض أننا نقصد حماية المرأة وحدها من العنف، لكننا كنا نقصد المرأة والطفل والرجل أيضا، إذ هناك رجال يتعرضون إلى العنف أيضا، وبينهم من يتجرأ ويقوم بإبلاغ الشرطة ويرفع دعوى ضد زوجته. أن قانون الحد من العنف الأسري سيكون أساس مجتمع سوي، وبالتالي سيسهم في تقليل عدد الذكور المصابين بعقد نفسية، وسيقلل بدوره جرائم الاغتصاب أو جرائم أو جنح العنف في المنزل. إن موادَّ قانونية أخرى بحاجة إلى مراجعة وتعديل أو الغاء ووضع قوانين جديدة يلائم العصر والتغيير في العراق نحو الديمقراطية، ومن بينها قوانين أو المواد الخاصة بحرية التعبير، ومن بينها ما تتعارض مع الدستور العراقي ومادته (38)، التي تنص أن الدولة تكفل وبما لايخل بالنظام العام والآداب، وفي فقرتها  أولا (حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل). هنا لا بد من الإشارة إلى أن البعض يستغل (حرية التعبير) بالإساءة إلى الاخرين، لذلك أن إلغاء المواد الواردة في القانون 111 لسنة 1969 وتشريع مواد جديدة او تعديلها لسد الباب امام من يحاول الاساءة. ولا بدَّ من ملحق يشرح (الاداب العامة)، لأنه مصطلح واسع جدا، فقد يمارس احدهم حقه في حرية التعبير ولا يعرف أنه يخلُّ بالآداب العامة. 
إنَّ موادَّ قانونية تتعارض مع الدستور المعمول به، يزيد من الفوضى التي تحاصرنا ويصبح البعض متهمين من قبل البعض الاخر وبالعكس.. إننا بحاجة إلى شروح وتعريفات لا تصادر حق حرية التعبير الذي يشكل أهم ركائز الديمقراطية الحقيقية وتقود المجتمع إلى حالة صحية سوية، إنما ستضع الجميع أمام مسؤولياتهم. فالمجتمع السوي ليس طرفين يهاجم أحدهما الآخر، إنما أطرافٌ تعمل وتتحاور وتتناقش لأجل يوم ممكن اجتيازه وغد ممكن الوصول اليه بأمان وسلام.