أرقامٌ تقهر

آراء 2022/06/08
...

 ساطع راجي
 
تبدو الحكومة سعيدة بالأرقام التي تشير إلى زيادة دخل الدولة، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، اذ تقول وزارة المالية إنها تتوقع زيادة الاحتياطات النقدية لدى البنك المركزي الى 90 مليار دولار بنهاية العام الحالي، وتقول وزارة النفط إن الإيرادات المُتحققة خلال شهر آيار الماضي، بلغت أكثر من 11 مليار دولار، وهناك الكثير من التصريحات التي تشيد بالقفزة الاقتصادية للعراق.
كل هذه الأرقام كانت ستبعث على الفرح لولا أن الحكومة نفسها تخبرنا بأرقام أخرى أيضا، إذ تقول وزارة التخطيط ان نسبة الفقر في البلاد ارتفعت إلى 25 في المئة، أما وزارة الكهرباء فتقول ان تراجع ساعات التزويد بالطاقة سببه عدم تسديد العراق لديون الغاز الايراني البالغة 1,5 مليار دولار.
المواطن العادي يرفض توريطه في التفاصيل واللغو التكنوقراطي ومنهج اضاعة الساعات التلفزيونية بارقام غير مفيدة، هو يريد استيضاحا للوقائع، اذا كانت لدينا كل هذه الأموال فلماذا نعاني؟، وما معنى او قيمة الثروة التي لا تنعكس على حياة المواطنين، وبالاخص عندما يكون جزءا منها قد دفعه المواطن مباشرة، فزيادة الاحتياطات يعود جزء منه الى زيادة سعر صرف الدولار، الذي انعكس على قيمة ممتلكات وايرادات المواطنين؟! ثم ما قيمة المليار ونصف المليار دولار، التي يدين العراق بها لإيران امام هذه الثروة لنحرم من الكهرباء 
بسببها؟!.
من الخطأ الخلط بين هذه الأزمة والخلافات السياسية وكأننا نعيش لأول مرة تناقضا بين ثراء الدولة وفقر المواطنين او سوء حياتهم، وحتى لو وجدت علاقة ما فإن السنوات والتجارب الماضية كانت كفيلة بدفع قوى السلطة الى فصل المسارين، وانتاج إدارة عامة للدولة لا تتأثر بالأزمات السياسية المزمنة، فإذا كان العراق يحتاج للغاز الايراني على مدى طويل، فلا بدَّ من ايجاد آلية منتظمة لتسديد ثمن هذا الغاز، لكننا نواجه الأزمة نفسها كل صيف منذ سنوات، كما أن نسبة الفقر في حالة ثبات او تصاعد من دون معالجات حقيقية.
إن دولة تكتشف كل صيف أن عليها ديونا غير مسددة ستؤدي الى الاطاحة بشبكتها الكهربائية وتؤثر بدرجة تهدد استقرارها، ومنذ عدة سنوات، انما تعاني من ضعف اداري مصمم له وليس عشوائيا ولا علاقة له بالأزمات السياسية ونتائج الانتخابات، مثلما أن اغفال وزارة اقتصادية لجزء من الحقائق مثل مستوى الفقر والاحتفال بزيادة الاحتياطيات المالية، يعني أنها تعاني من انفصال عن الواقع وتمارس إهمالا متعمدا لحياة المواطنين، وبالتالي نحن تحت سلطة مفككة ينظر كل طرف فيها الى كأسه فقط، وفي دولة بلا ذاكرة ولو قصيرة.