سائق السفير وسائحة غربية

آراء 2022/06/08
...

 نوزاد حسن
 
روى لي أحد أساتذتي موقفاً طريفاً حدث لسائق أحد السفراء في بغداد، وقد تعجب هذا الاستاذ من الحساسية التي تصرف بها السائق, وإصراره على عدم قدرته على القيام بدور السائق في شوارع بغداد. حاول السفير معرفة السبب الحقيقي بعد أن بين للسائق استغرابه من رفضه لقيادة السيارة، وفي النهاية قال السائق كلاما فيه شيء من الحكمة، بحيث إن السفير اقتنع, اما الاستاذ الشاهد على الحادثة فقد ضحك من دون أن يعلق، كانت حجة السائق أنه لا يستطيع قراءة أفكار السائق العراقي, ولا أحد يستطيع أن يقوم بهذا الدور، الا سائق عراقي تمرس في لعبة القيادة، التي يبدو أنها لا تخضع لقانون واضح.
حدث هذا الموقف قبل سقوط النظام السابق بأعوام قليلة، وأظن أن هذا السائق كان يتحدث عن ظاهرة غريبة، لم يستطع مزاجه الغربي ان يفهمها ولن يفهمها.
يتحمل الغربي صورة الزحام المنظم، لكنه ينفر من الزحام الفوضوي، وما حدث وما زال يحدث هو هذا الزحام الذي يخفي اضطرابا سلوكيا واضحا.
يظن أي غربي أنه أعمى إن زار مدننا, وسار في شوارعنا، اذ لا وجود لخطوط تقول له تفضل من هنا العبور، كما لا توجد إشارات ضوئية تعمل لتنظيم حركة السيارات والمارة، كل شيء مبهم وغامض وخاضع للصدفة، هكذا يفكر أي شخص يدخل الى حياتنا، وهو ينتمي إلى ثقافة غربية تقوم على التنظيم المفرط في كل
 شيء.
إحدى السائحات التي زارت بغداد وبعض المحافظات العراقية, وبثت زياراتها في يوتيوبات لاقت استحسان المتابعين، كانت تبدو مرتبكة، وهي تسير أو تعبر الشارع، وفي ملاحظة ذكية قالت إن أفضل طريقة لعبور شارع، تتلخص في السير خلف عابر محلي تقصد عابرا من أهل البلد، وفعلا سارت السائحة خلف شاب تنقل بين السيارات التي كانت تسير 
ببطء.
في الواقع أنا أشير في هذا المقال إلى تعقيد من نوع خاص فرض على حياتنا، فاليوم لم تعد الشوارع خاضعة لقانون يضبط حركة الجميع بلا استثناء، يقفز “التك تك” برشاقة كنغر كاسرا سير السيارات، من دون سابق أنذار، وتتناغم الدراجات النارية مع سنّة قانون “التك تك”، كل هذا يجري وكأن من المنطقي أن تكون الأمور على هذه الصورة.
بغداد لا تستحق هذه الفوضى.