عن السلطتين: الأولى والرابعة

آراء 2022/06/11
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي 
 
جميع السلطات (القضائية، والتشريعية والتنفيذية، والاعلامية)، تأخذ التسلسل الأول والثاني والثالث والرابع، وهذا التسلسل، لا ينقص من قيمتها، فكل واحدة  من هذه السلطات، هي أولى وهي ثانية وهي ثالثة وهي رابعة، وفقا للتسلسل الذي يبدأ به العادّون، ولكنها في نهاية المطاف، سلطات تتكامل في ما بينها، مكونةً الهيكل الكامل لجسد الدولة، لتأتي باقي التفاصيل، تتحرك وسط هذه الأركان الأربعة، وبالتالي فإن غياباً أو فقداناً أو تداعي أي ركن منها،  ستتداعى له الأركان الباقيات بالارتباك، وعندما أتحدث عن السلطتين الأولى (القضائية)، والرابعة (الإعلامية)، فإن القصد من وضعهما بهذين  التسلسلين، إنما جاء بقصد مهم، وهو ان هاتين السلطتين، هما اللتان تؤطران سلوك الدولة بجميع تفاصيلها ومفاصلها، ذلك لأن الساحة التي يتحركان بها والفضاء الذي يطيران فيه، يرتبط بباقي السلطات، وهما يتكاملان في عملهما، في عملية ضبط إيقاع سلوكيات الدولة، فلو غابت السلطة القضائية فإننا سنتحول إلى شريعة غاب، ويصبح حالنا محكوماً بمبدأ (الك يا طويل الذراع)، فالقضاء هو الذي يصون الحقوق، ويحمي الحريات،  ويضمن التوازن الاجتماعي، ولا يمكن لباقي السلطات أن تمارس ادوارها بنحو سليم، من دون وجود القضاء، وإذا انتقلنا إلى السلطة الرابعة (الإعلام والصحافة)، فيمكن القول، إنها تمثل العين التي يبصر بها الآخرون، والقدم التي يسيرون عليها، فإذا غابت هذه السلطة، فإن ظلاما دامسا سيعمُّ في الأرجاء، وتُصاب الحركة بالشلل، ووفقا لهذا المبدأ، فإن ليس ثمة تزاحم بين السلطتين، إذ لا يمكن لأحدهما أن تزيح الأخرى، أو تحل محلها، فلكل منهما واجباتها وأدوارها التي تؤديها، ولذلك فإن أيَّ محاولة، لإيجاد حالة من التنازع، أو السعي لضرب أحدهما بالأخرى ستبوء بالفشل، ذلك لأن القائمين على السلطتين يدركون جيدا، أن وجودهما أساسي، في عملية رسم  المسارات السليمة للحياة، ولكن هذا لا يعني أن الأجواء صافية، ودرجات الحرارة معتدلة، فدائما ثمة عواصف غبارية تهب من اتجاهات مختلفة، مخلفة الكثير من الغبار الذي يغطي كلَّ شيء، ما يؤدي إلى ضيق في الصدور،  يسبب  صعوبة في التنفس! وقد يعقب ذلك ارتفاعا في درجات الحرارة.
أما لماذا هذا التوتر وهذا الغبار، فلعل البعض يسعى إلى استغلال سقف الحرية العالي، التي يتمتع بها الإعلام العراقي، ومبدأ حرية التعبير الذي كفله الدستور، ليوجه طعنات إلى القضاء، في محاولة منه للنيل من هذا الركن الأساسي من أركان الدولة، ولا أعتقد أن عاقلا يرضى بذلك.
نعم قد تكون ثمة هنات او ملاحظات تخص أداء القضاة هنا او هناك، ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال، أن القضاء عندنا غير قادر على النهوض بمهامه، ولا أن بعض السلوكيات غير المقبولة من قبل بعض العاملين في السلطة الإعلامية، تعني أن هذه السلطة لم تعد قادرة على أداء مهامها.
كلا أبدا، فإعلامنا  أدى أدوارا مهمة وترك أثرا واضحا في المشهد العراقي، سواء في الجانب الأمني، - وقد فقدنا  الكثير من الزملاء الذين استشهدوا وهم يؤدون مهامهم ابان الحرب ضد الإرهاب-، أو في مواجهة وملاحقة الفاسدين وكشف الفساد، أو في ما يتعلق بتسليط الأضواء على كل ما هو سلبي، في مسعى لمساعدة المعنيين، في المعالجة والإصلاح، وليس بخافٍ على أحد مقدار التأثير، الذي حققته السلطة الإعلامية في تنوير الرأي العام، وتبصير الناس بحقوقهم وواجباتهم، ومساعدة السلطات التنفيذية في اتخاذ الكثير من القرارات والاجراءات المهمة على خلفية ما يقوم به الإعلام بجميع اشكاله وارتباطاته وانتماءاته، ودائما الكلام عن الاعلام الايجابي الذي يسعى لبناء الوطن، وليس الإعلام السلبي الذي يريد أن يخرب كلَّ شيء.
تحية للسلطتين الاولى والرابعة، والتحية موصولة لباقي السلطات.