د.سلامة الصالحي
يحدث أن تثور الشعوب ضد الظلم واللاعدالة وغياب المساواة على كل الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتشكل الحرية ضد تفشي العبودية حلم الكثيرين ثوارا ومناضلين لقول كلمة الحق وتطبيقها فعلا، ولأن النظام في العراق كان ذا سمة بوليسية وقبضة حديدية، فكان يوئد أي حركة تحررية من أجل الإطاحة به، لذلك عمدت شخوص وأفراد المعارضة العراقيَّة، التي تمكنت من الهروب إلى الخارج الاستعانة بالقوى الدولية، والتي لها أجنداتها الخاصة وخططها في عملية الشروع باحتلال العراق، الذي سمي تحريرا من الدكتاتورية ليتم تطبيق تجربة الديمقراطية والحرية تحت موجة من الفوضى، التي ادعوا أنها خلاقة، فقد تمَّ تدمير كل ما يمت للدولة القديمة من بنى ومؤسسات، ليس آخرها حل الجيش العراقي وقوانين انتقالية لا تزال سارية المفعول بعد مضي ما يقارب عشرين سنة، حتى ليبدو أنها قد تمَّ تثبيتها في الدستور لطول مدة بقائها وما جرّته من خسائر، في بلد يعاني شعبه من وطأة الحصار وسلبياته وحروب تراكمت على وعيه، وجعلت لغة السلاح هي الشائعة والطاغية، وتم استغلال هامش الحرية بشكل سلبي، وبدأت الممارسات الديمقراطية تجلب برفقتها مساوئ التطبيق، ليحط من قدرها وعي مضروب بالطائفية والعرقيَّة والعشائريَّة، عملت على تقويتها قوى متشددة للمسك بالحكم والبقاء فيه، وقد اتضح هذا وبشكل فج في كل تطبيقات هذه الحرية وهذه الديمقراطية على نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية، وكان الانحياز لابن العشيرة والعرق والحزب والطائفة، يتغلب على الانحياز إلى الهوية الوطنية والمشروع الوطني، فبدت اليمقراطية تسير بخطى عرجاء وإلى دروب تؤدي إلى تعثرها، وفشلها وانسداد أبواب الامل بوجهها في التغيير الحقيقي، فصار مصير البلاد يتنقل كل اربع سنوات بين نارين نار المحصاصة ونار الاستخدام السيئ للديمقراطية، اما وقد جاءت برفقة حرية كانت تحلم بها الناس، فقد أستغلت أسوا استغلال في تسقيط الآخر، او إبراز النواحي السلبية وتعميقها وإظهارها، لتبدو هي القدوة، وهي التي تتوفر وبكثرة من جلد للذات والوطن والتاريخ والقيم الوطنية وكرامة المرأة والطفل والأسرة، والتي وظفت من أجلها نماذج تمَّ تسطيحها وسلبها قدرتها على الظهور المتوازن والحكيم، فظهر للآخر المتعطش لهذه الحرية سلبيتها وأدانها وانكفأ على نفسه مصدوما، من هول ماجاءت به ثورة التغيير، الذي بدأ بنظام شمولي هيأ الأرض الخصبة، لينمو كل انحراف سيؤدي بالبلاد الى التراجع والخيبة، إن لم تتم السيطرة عليه وإيقافه بقوانين، يشرّعها البرلمان وتطبق بحيادية وحزم، بدءا من رواج المخدرات واستسهال إدخالها للبلاد إلى الظهور العلني لبنات الليل، وهذا الكم الهائل من الإساءة الى سمعة ومكانة البلاد والسلوك الإجرامي من رشوة وفساد، يعثر مسيرة البناء والتطور، هذا الموج العالي من هذه السلبيات أدى الى أن تكون حريتنا سلبية وديمقراطيتنا عرجاء.