مستقبل السلطة بين الواحديَّة والتعدديَّة

آراء 2022/06/11
...

  د. طارق عبد الحافظ الزبيدي 
مفهوم السلطة من أكثر المفاهيم جدلا من حيث المعنى ومن حيث الابعاد، ودون الخوض في التفاصيل النظرية، فإن السلطة هي قوة ارادة ما وقدرتها على فرض إرادتها على الإرادات الاخرى، والسلطة تاخذ معاني مختلفة (سلطة الذات– سلطة رب الأسرة – سلطة رجال الدين وغيرها) وضمن تصنيف آخر (السلطة السياسية– السلطة الاقتصادية– السلطة الدينية– السلطة الاجتماعية وغيرها، ولكن عند ذكر لفظة السلطة بمفردها، يعنى بها السلطة السياسية بالتأكيد من دون حاجة الاشارة إلى دلالة السياسة، كون جميع السلطات على اختلافها فيها بعد سياسي.
 
السلطة السياسيَّة التي هي محور بحثنا، تتمركز في شخص الرئيس في ظل الأنظمة الاستبدادية الدكتاتورية وأحياناً في ظل الأنظمة الملكية، ولكن السلطة تتوزع بي ظل الانظمة الديمقراطية إلى ثلاث سلطات رئيسية (تنفيذية– تشريعية– قضائية)، مع خصوصية لتمركز السلطة إلى حدٍ كبير في السلطة التنفيذية، كونها المعنية بتنفيذ التشريعات والقوانين، ولذلك نجد أن واحدية السلطة وعدم تجزئتها هي السمة الأبرز، السؤال المركزي إلى متى تبقى واحدية السلطة في ظل التطورات التكنولوجية؟، بمعنى آخر هل يمكن أن تصمد واحدية السلطة في ظل وجود مبررات تجزئتها؟.
نعتقد أن السلطة لم تعد واحدة في ظل التطورات السائدة، لاسيما أن الإعلام والتكنولوجيا الرقمية ساهما في ظهور سلطات مناوئة ومرادفة للسلطة السياسية، من ابرزها سلطة الاعلام المرئي والمسموع، وسلطة وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك– توتير– يوتيوب)، سلطة الشارع (التظاهرات والاحتجاجات).
ويمكن أن نذكر أبرز محطات تأثير السلطات المناوئة للسلطة السياسية، ومدى تأثيرها المباشر لتغيير مجرى الأحداث:
1 - سلطة الاعلام حيث أن التطورات المعرفية والتكنولوجية جعلتها سلطة أولى، بعد أن كانت توصف بالسلطة الرابعة، ولذلك نجد أن للإعلام سلطة مؤثرة أسهمت وما زالت تسهم في رسم الكثير من السياسات العامة، التي تتبناها الدولة، بل تسهم في تعديلها في احيان أخرى، وسلطة الاعلام لم يعد تأثيرها محليا، بل تعدى ذلك إلى البعد الاقليمي والدولي وأخذت تستعمل تلك السلطة في الهجوم الافتراضي على البلدان الأخرى، من خلال ما يسمى بالحرب الناعمة.
2 - سلطة وسائل التواصل الاجتماعي هي السلطة، التي أخذت تؤثر في صناعة الرأي العام المحلي و الاقليمي والدولي، لذلك نجدها أثرت في الكثير من السلطات الاستبدادية القائمة، بل الاكثر من ذلك أسهمت في ازالة الكثير من السلطات، حيث أسهم “الفيسبوك” في مصر في نجاح ثورة 25 يناير عام 2011، وأسهم اليوتيوب في الاطاحة بالكثير من هم في الوظيفة العامة بمستوى عالٍ من السلطة التقليدية على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، نتيجة نشر مقطع فيديو معين، قد يشكل فضيحة معينة تتعلق بالفساد الإداري أو المالي أو الأخلاقي. 
3 - سلطة الاحتجاجات والتظاهرات، التي أصبحت مصدر خوف الكثير من السلطات، بغض النظر عن طبيعتها (استبدادية– ديمقراطية)، حيث إنها سلطة مؤثرة تخيف كل الرؤساء، ولذلك نجد الكثير منهم يحاول  انهاءها أو توظيفها، لكي لا تشكل عليه اي تهديد قد يسهم في خروجه من السلطة، لذلك نجد صاحب السلطة في الأنظمة العربية غالبا ما يتعامل معها بطريقتين لا ثالث لهما، اما قمع التظاهرات والاحتجاجات او اختراقها، لأن خلاف ذلك ستكون سلطة الاحتجاجات بديلا عن السلطات القائمة.
4 - سلطة العولمة و هي أقوى السلطات المناوئة للسلطة السياسية التقليدية، حيث أثرت في جميع السلطات المحلية، وأخذت تفرض نفسها وتقاليدها ومتبنياتها على الجميع، ولا يمكن لأي سلطة أن تقاومهاـ كونها أصبحت أمرا واقعيا، وخلاف ذلك سوف تعيش في عزلة، على سبيل المثال لا الحصر لا توجد اي سلطة في العالم لديها، تعترض على متبنيات العولمة السياسية من ديمقراطية وحقوق انسان وتداول سلمي وتعددية سياسية، لذلك نجد أن التعامل معها ليس حكراً على الانظمة الديمقراطية، بل ايضا السلطات الاستبدادية أخذت تتفاعل معها ولو نظرياً، لذلك تمَّ تفعيل الانتخابات الشكلية وتم ايجاد أحزاب صورية، وتم تشريع بعض القوانين، التي تهتم بالحقوق والحريات المتعلقة بالمرأة والطفل قسرياً، من دون رغبة حقيقية من قبل السلطة السياسية التقليدية، بل بتأثير مباشر من سلطة
 العولمة.
ومن خلال ما سبق ثبت أن السلطة المؤثرة تعددت ولم تعد سلطة واحدة، ونعتقد أنها في طريقها إلى التجزئة الشاملة، فضلا عن تأثير السلطات الدولية على السلطات المحلية، كون العالم أصبح قرية واحدة، بالإمكان التأثير في جميع سكان الكرة الارضية بخطاب سياسي واحد أو برنامج تلفزيوني موجه، لذلك على صاحب السلطة السياسية أن يتعامل بواقعية من دون مثالية، خاصة مع تغيير أدوار السلطة الحالية والمستقبلية ومعرفة دورها الجديد، وضرورة التعامل بإيجابية مع السلطات المرادفة للسلطة القائمة.
 
 كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد