مشكلة صالح

الصفحة الاخيرة 2019/03/25
...

حسن العاني 
لا خلاف على سمو الفكرة وإنسانيتها، ذلك ما اتفق عليه مدير مدرسة الكرخ الابتدائيَّة الأستاذ عزة الخوجه رحمه الله، مع مدير مدرسة الفيصلية رحمه الله، وجرى الاتفاق بحضور الملاك التعليمي للمدرستين، وكان الهدف من الاتفاق توفير كسوة شتويَّة متكاملة لمئة تلميذ، بواقع خمسين تلميذاً من كل مدرسة، هم الأشدُ حاجة لمواجهة الشتاء الذي بات على الأبواب.
أما كيفيَّة توفير الكسوة فتقوم على إجراء (مسابقة) بين تلاميذ المدرستين وذلك بأنْ يشارك أفضل 15 تلميذاً من كل مدرسة من حيث النباهة والذكاء، ويتم اختيارهم من قبل (مرشد الصف السادس)، كون المشاركين من هذه المرحلة فقط، وسوف تحصل المدرسة الفائزة على كأس خاصة بها، في حين يحصل التلميذ الذي يجمع أكبر عددٍ من النقاط في ضوء إجاباته، على كأس باسمه بغض النظر عن كون مدرسته رابحة أم خاسرة، ولكنَّ العنصر الأساس في المسابقة يعتمدُ على قيام كل مدرسة بتوزيع (90) بطاقة دعوة بين وجهاء المحلة التي تقع فيها مدرسة الفيصليَّة وكذلك الكرخ، ويكون سعر البطاقة ديناراً واحداً، وهذا يعني أنَّ المبلغ الإجمالي سيصل الى (180) ديناراً، ومثل هذا المبلغ الذي يعود الى العام 1952 كان كفيلاً بتوفير الكسوة لعدد أكبر من التلاميذ!!
ولكي تجري أمور المسابقة على أعلى درجات التنظيم والالتزام بالضوابط والقوانين، فقد اتفقت المدرستان على عدة شروط من بينها أنْ يتولى المشرف التربوي وضع الأسئلة، ويجب أنْ تكون نسبة 80 % منها مستلَّة من المنهج المدرسي وأنْ يكون المشاركون من تلاميذ الصف السادس، من المتفوقين ..الخ.
في الحقيقة هناك تفاصيل كثيرة تم التراضي عليها بين الطرفين، كما تم تحديد يومٍ معينٍ كموعدٍ نهائيٍّ لكي تقدم كل مدرسة أسماء تلاميذها المشاركين في المسابقة، مثلما تم تحديد موعدٍ نهائيٍّ لإجراء المسابقة التي ستكون على مرحلتين، الأولى في (الكرخ) والثانية في (الفيصليَّة)، وأخيراً اتفقت المدرستان على اللجنة التي تشرف على أسماء المشاركين وتدقيقها، وتضم ثلاثة أبرز وجوه، وهم (المشرف التربوي ومديرا المدرستين) ..ما أنْ تم الانتهاء من رفع الأسماء وبدأ التدقيق فيها، حتى اعترض الأستاذ عزة الخوجه لأنَّ الفيصليَّة رفعت اسم تلميذ يدعى (صالح) لا يحضرني اسم والده، عمره (16) سنة، وهذا غير جائز، ولكنَّ مدير الفيصليَّة زعم بأنَّ مدرسته لم تخالف الشروط، وعمر التلميذ مسموحٌ به، وليست هناك مشكلة، إلا أنَّ الخوجه ردّ على ذلك زاعماً بأنَّ العمر الاعتيادي للمشاركة هو (12) سنة لأنَّ المشارك يُفترض فيه النباهة والذكاء والشطارة، واعترض مدير الفيصليَّة بكلامٍ مسهبٍ، فردّ عليه الخوجه بالمثل، إلا أنَّ مدير الفيصليَّة لم يغير رأيه، وبدوره تمسك الخوجه باعتراضه، الغريب إنَّ المشرف لم يتدخل أبداً وفضل الاستماع الى حوارهما المتواصل على مدى شهرين بحيث حل الشتاء وارتجفت أجساد التلاميذ الأشد فقراً، لأنَّ الموسم كان غزير المطر والبرد والحالوب!! وفي ذلك العام كانت تلك القضية مثار اهتمام الناس وأحاديثهم، حتى جعلوا منها مضرب أمثالهم فكانوا يقولون (مشكلة صالح).. والغريب إنَّ هذه المشكلة ما زالت تتكرر وكأنَّ شيئاً لم يتغير أو يتبدل باستثناء الأسماء!!