رعد أطياف
في حواراتنا اليومية التي أضحّت مملّة بخصوص الشأن السياسي العراقي، دائماً ما أبحث عن جواب لهذا السؤال المؤرّق: لماذا لا تأخذ الطبقة السياسية المهيمنة بزمام الأمور وتشرع ببناء مؤسسات الدولة؟
عادة ما يأتي الجواب بصيغة تبسيطية لا تلامس جوهر الإشكالية، أو على الأقل لا يشبع فضولي الشخصي، وهو كالتالي:
أن بناء المؤسسات يشكّل إيذاناً بانهيار الطبقة السياسية؛ ذلك أن وجودها مرهون بغياب المؤسسات.
وبهذا الاستنتاج يمكن القول، ثمّة علاقة طردية بين بناء المؤسسات وتخلخل البنى الهيكلية للأحزاب الحاكمة؛ كلما حضرت المؤسسة غابت هذه القوى المهيمنة.
والحق أن الجواب أعلاه يشكّل إغراءً لافتاً، لدرجة أنه أضحى مقولة شعبية تتردد على ألسنة الكثير، ولم يعد بإمكاننا اجتراح وجهات نظر جديدة، أو مادة تحليلية يمكنها أن تفسّر الواقع السياسي، فتحول الجواب أعلاه إلى صيغة مدرسية مقَرَّرَة، وشرط مسبق يهيمن على مجمل عملياتنا الفكرية، ونحن نحاول فهم الواقع السياسي المعقّد.
لكن نظرة بسيطة لهذا الجواب، ربما سنعثر على مغالطة منطقية مفادها: بناء المؤسسات يتناسب طرداً مع انهيار الطبقة السياسية الحاكمة!.
لكن مثلما نعلم، أن حيازة القوة الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والثقافية، تمنح المهيمن حجاباً واقياً من كل أشكال الانهيار.
وبالتالي سنعكس المقدمة المنطقية أعلاه: كلما باشرت القوى السياسية المهيمنة على أسباب القوى كانت إلى الاستقرار أقرب، وإلى الانهيار أبعد، خصوصاً أن القوى السياسية الحالية لديها كل أسباب القوى التي تمكّنها من الشروع ببناء الدولة، لكنّها ما زالت تمزّقها أنياب السلطة، وظلّ سؤال الدولة مؤَجَلاً حتى هذه اللحظة، ولم يأخذ نصيبه التداولي في أدبيات الأحزاب الحاكمة.
وهذا يؤشر بوضوح الى أن القوم عازمون على التضحية بالدولة على حساب السلطة ومغرياتها التي لا تُقاوَم.
من جهة نظري، يوجد عاملان مهيمنان على ذهنية الأحزاب الحاكمة: قلّة الخبرة، والخوف من الآخر؛ إذ ما زال سؤال الدولة، كما ذكرنا، حتى هذه اللحظة، غائباً كلياً عن أدبيات القوم، ولا نعرف بالضبط ما هو العنوان المتفق عليه في أذهان القوى السياسية.
أما الخوف من الآخر فهو يحتل مساحة ليست بالقليلة في أدبياتهم، وتحول إلى شعار تعبوي يغذي أخيلة الجماهير التابعة لهذه الأحزاب.
إن الشعور بالوقوف على أرضية هشة، بحكم هذين العاملين جرت أكبر عملية تخبّط في تاريخ العراق السياسي، وتمخّضت عنها كل أشكال الخراب، وما زلنا ندفع ثمنها دماً ودموعاً.
لا أتكلم هنا، عبر الجواب الذي افترضته، على سبيل الحصر، بمعنى ثمة فسحة كبيرة للتفكير، شريطة أن تفتح لنا فهماً جديداً حول ما يحدث.