حفلات التخرج بين النقد والانتقاد

آراء 2022/06/13
...

 عباس الصباغ 
 
يبدأ موسم حفلات التخرّج نهاية كل عام دراسي جامعي بإقامة حفلات تتراوح ما بين العفوية والبسيطة الهادئة، وما بين الصاخبة أو التي أعدّ لها إعداد مسبق من فقرات وبرامج، كما تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء، والكثير من تلكم الحفلات تتعرض للنقد اللاذع، بحجة أنها بعيدة عن ضوابط مجتمعنا العراقي المحافظ، وذلك بالمظاهر التي تخرج عن المالوف والأعراف والسُنن التي درج عليها اكثر الناس، كما يذهب منتقدو هذه الحفلات بأنها تسيء لقدسية الحرم الجامعي من حالات الاختلاط غير المبرر بين الجنسين والرقص وأزياء التنكر، التي وصلت الى أشكال مضحكة ومقززة، وهي في كل الأحوال لا تتناسب مع المستوى العلمي، الذي يجب أن يتحلى به الطالب، ناهيك عن الوقار والاحتشام.
 بينما البعض المدافع عن تلك الحفلات، يقول إنها فرصة تسنح مرة واحدة كل أربع سنوات، وهي فرصة للتحرر من قيود الحياة وضغوطاتها وتداعياتها المليئة بالمعاناة، وهي كثيرة بالنسبة للواقع العراقي المكتظّ بها فلا بأس ـ حسب رأيهم ـ من «التحرر» العفوي والبريء ولو قليلا، وهذا ليس بكثير على اولادنا الخريجين.
يجابهه رأيٌ آخر مضادّ أكثر تحفظا، يقول بالرغم من قسوة الحياة ومعاناتها يجب أن يتحلى الطلبة المتخرجون بالقواعد والسُنن المجتمعية الدارجة، والتي تليق بالمجتمع العراقي، ويضربون مثلا بحفلات التخرج، التي تقام في بعض دول المنطقة، اذ تخلو من كثير من السلبيات، التي يشير اليها الطرف الآخر، والكثير من المراقبين يرمون الكرة في ملعب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، متهميها باللا مبالاة وأنها تغضّ الطرف عن هكذا حفلات، من دون أن تتدخل لتقنينها او توجيهها الوجهة، التي تتناسب مع المجتمع العراقي والحرم الجامعي.
وللتوفيق بين الطرحين المتضادّين أقول: إنَّ حفلات التخرج هي سياق عالمي متبع في أغلب جامعات العالم، ويجب الا تخضع للاجتهادات الشخصية أو تحميلها أكثر من طاقتها، كونها عفوية في كل الأحوال، ويجب الا تفسّر تفسيرا آخر، غير الاحتفال مرة واحدة كل أربع سنوات، ابتهاجا بانتهاء مرحلة دراسية كانت مكلّلة بالتعب والمثابرة، ومليئة بالمعاناة ومكابدات الحياة ومنغصاتها، كما كانت مليئة بأحداث سارة وصداقات مثمرة، وهي بداية لشقّ طريقهم في الحياة والانطلاق نحو المستقبل، ومن حقهم أن يحتفلوا بالطريقة التي تعجبهم شرط الا تخرج عن روح الدستور وكفالته (الفقرة 38 منه)، وهي حريات لا تنتظم بالمواعظ الأخلاقية والسياقات التعبوية والزواجر والنواهي العشائرية، إنما بالوعي والفهم ومجاراة الأعراف والتقاليد والضوابط العرفيَّة والدينيَّة وموافقة المجتمع في ذلك، خاصة المجتمع العراقي 
المحافظ.
وعلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المعنية بالأمر، أن توجّه أبناءنا الطلبة الخريجين بإقامة حفلات تخرّجهم، بشكلٍ لا يتنافى مع العرف الاجتماعي والسُنن العشائرية، التي يلتزم بها عموم الشعب العراقي.