{رياض النعماني} شفافٌ مثل زهرة الجوري

منصة 2022/06/13
...

  سعد صاحب 
 
للشعر سطوة روحانيَّة لا تخلو من الاستعلاء, سطوة تحرضنا على التحليق في سماءٍ جديدة, لا تصل إليها الطيور ولا تلامسها كف الإنسان, وفي الكلمات سحرٌ لا يقاوم, وفطرة ترغمنا على الإذعان والغناء والرقص والاستمتاع. (صافن والكلام اهناك يمحيني/ سكوتك وحده يكتبني/ البياض ال بالورق وحدة الكتابه/ وين هذا الدرب ياخذني بغيابه).
 
ينابيع
ومن المحال الارتواء من نبع الشعر الصافي الأصيل المليء بالدهشة والمفارقة والتشكيل الفني الناضج المثير للإعجاب, لأنَّك كلما تشرب تزيد عطشاً الى ينبوعٍ جديدٍ, وما أكثر الينابيع المتفجرة في صحراء بعيدة: (ادخل الكه الروح بره/ اطلع الكه الروح جوه/ وصرت بره وجوه/ والباب اللي بين البره والجوه/ صرت يفلان بابه).
 
فكرة صوفيَّة
وفي هذا المقطع استجلاءٌ لفكرة صوفيَّة بأسلوبٍ أنيق. لا يقتصر دور الشعر على تضميد الجراح, هو أكثر من ذلك وأسمى بكثير, وكل قصيدة راكزة تعبر عن حالة ما من مواجع الروح العديدة, وفي الكتابة الجديَّة نتحرر من القلق النفسي الهائل, ونترفع عن الدنايا ونتقاطع مع الأشرار, ونتكاثر في داخل الأرواح المخلصة: (غدرتني الايام وكسرت بضلوعي ذاك الناي/ انه الحبيت كل دنياي/ انه الحبيت حبيت/ وخفت ما كفي صرت هواي).
 
حواجز
في الشعر نكتشف ما وراء الحواجز, ونستشف ما خلف الأسوار العالية من شموس وصبايا وأطفال وصداقات, ولا غرابة إذا قادتنا القصيدة الى هياج ثوري شامل, أو تركت فينا كآبة من نوعٍ خاصٍ, أو غسلت أحزاننا بغيمها الماطر, فتنتفض أرواحنا ثائرة ضد من يريد تخريب جنة الشعراء الواسعة: (ضيعتك وضعت امن اديه/ وصرت مر ابجيت/ كل عمري بجيت/ شفتك بمر الدمع كلش حلو واني حليت/ شاورتني ريحة الشمام/ لا تبجي يجي هسه/ يجي ولنك اجيت).
تماثل
في أشعار رياض النعماني تماثل مع الأشياء النبيلة, والمطلق يتجلى في الصدق والنزاهة والغبطة والحبور, وبالإمكان أنْ تتواصل الناس من خلال القصيدة, لأنَّ كل ما يثير الدواخل يكون جامعاً للبشر, وكل عاشقة تبوح أسرارها في حضرة الروح وتكتمل الدائرة: (الندى فوك الكحل واكرنفلك حيران/ نامت ريحة النعناع فوك امرايتك وامخدتك 
ريحان).
 
تجارب
الشاعر الجاد يكتب في كل الظروف ولا ينقطع, سواء كان في الزنزانة المظلمة أو في الغربة أو في أجواء الحريَّة المشرقة, وهذا يحتاج الى حركة متواصلة, وجهدٍ كبيرٍ من الاطلاع على نتاجات الشعوب, والوقوع في شتى التجارب الصادمة بلا تمييز: (كلشي يروح/ يترك ريحته بالروح/ الحزن والمطر والحب والغنه/ والليل والفركه والايام/ الغياب الغيم والوحشات).
 
انفعال إيجابي
النعماني يتنبه الى المثيرات الخارجيَّة الملفتة للنظر, والجمال موسيقى وعبير وجاذبيَّة وجوهر وإلهام, وانفعال إيجابي يسيطر على العقل والقلب والإرادة, فيثير فينا اللطف والهدوء والسلام والارتياح, وما يزيد من قيمة الشيء الحسن الوفاء والكرم والفضيلة والعطاء والطيبة, والعاشق الماهر يستوعب المحبوب بلا مقاصد سيئة ولا التباس: (مثل الآه/ خصرك ناحل وكلش طويل/ شكثر مثل الآه/ والله اللي تعب بي جم سنه وسواه/ من شافه بهت/ ومن الفرح مجنون صاح/ اشكد حلو هذا 
الخصر الله).
 
جواز مرور
الجمال شيء مدهشٍ مكتفٍ بذاته, لا يحتاج الى جواز مرور أو مديح, لأنَّ الثقة بالنفس صفة تلازم الجميل, ولا يبالي بكل رأي غرائبي يخالف السائد, ولا شيء يستحق الانتباه سوى الحسن الباهر, الموجود عند حبيب لطيف المعشر وشفاف الروح ومتناسق التكوين: (انت بكثر ما شفاف ما تنشاف). وهذه الومضة البارقة يمكن تأويلها غزلياً أو صوفياً, لا يختلف الأمر ولا يؤثر في المعنى.