عبدالستار رمضان
أضرار وخسائر العراق كبيرة وهائلة بسبب الفساد الذي يكاد ينتشر ويسيطر في كل مكان، الصحة، الخدمات، الماء، الكهرباء، الزراعة، وآخرها تسريب أسئلة الامتحانات وغيرها، لكن أغرب وأوضح ملف فساد هو سوق مزاد العملة، الذي تتسبب حسب تصريحات وبيانات مسؤولين حكوميين واقتصاديين بـ(اضرار بالخزينة العامة تبلغ حوالي 4 ترليونات دينار)، وهي فساد واضح ومستمر يستنزف الخزينة، بسبب شركات التحويل المالي والمصارف الأهليَّة، التي كانت المستفيد الاكبر من عمليَّات التحويل، وغالبية المُستمسكات المُقدَّمة من قبل بعض تلك المصارف مُزوَّرة).
مزاد العملة هو سوق للعملات الأجنبية، تتم فيها تلقي الطلب على (الدولار) وعرض المتوفر منها بشكل مستمر، وعلى أساسه يتكون سعر الصرف للدينار العراقي، الذي ظل مستقراً لسنوات طويلة على سعر 120 الف دينار، تم فيه توفير المرونة والاطمئنان في مقابل الطلب، الذي تزايد على الدولار بسبب الفساد، الذي شاب عمليات التحويل، وهو ما ادى الى انخفاض سعر الدينار الى السعر المعروف المتداول هذه الأيام.
هذه السوق تعدُّ المزاد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، ولم تكن معروفا قبل عام 2003، لكن تبنّي العراق نظاما اقتصاديا مختلفا عما كان عليه، وتحوله من الاقتصاد الاشتراكي، الذي كانت تسيطر عليه الدولة، الى اقتصاد السوق المفتوح، فتح باب هذه السوق الذي كان القصد من استحداثها رفع قيمة الدينار العراقي، وتبلغ عمليات البيع فيها أكثر من 200 مليون دولار ومصدرها إيرادات النفط العراقي المباع.
إن ضعف الدولة والمكاتب الاقتصادية لبعض الأحزاب المتنفذة والمصارف الأهلية، التي تدخل مزاد العملة كلها يتسبب باستنزاف وخسارة كبيرة للخزينة العراقية، ويشكل 70 بالمئة من هذه السوق استزافا وأضرارا للخزينة العامة، كشف عنها السياسي العراقي أحمد الجلبي قبل وفاته، عندما كان رئيسا للجنة المالية لمجلس النواب العراق عام 2015، وتم تشكيل لجنة تحقيقية بالموضوع، توصلت عن وجود ملفات فساد كبيرة على المصارف الأهلية وتهريب العملة وغسيل الأموال.
إن جريمة غسل الأموال منصوص عليها في المادة (2) من قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب رقم (39) لسنة2015، وتعريفها (تحويل الأموال أو نقلها أو استبدالها من شخص يعلم أو كان عليه أن يعلم، أنها متحصلات جريمة لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها غير المشروع وإخفائها أو تمويه حقيقتها أو مصدرها أو مكانها أو حالتها أو طريقة التصرف فيها أو انتقالها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها، من شخص يعلم أو كان عليه أن يعلم أنها متحصلات من جريمة).
إن معالجة ما يجري من فساد وغسل أموال وتهريب للعملة الصعبة خارج العراق، هو من مسؤولية الجميع، خاصة البنك المركزي العراقي، ومن خلال مكتب مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب المنصوص عليه في المادة(8)، والذي يتولى بصورة مركزية تسع مهام حسب نص المادة (9) ومسؤول عن إحالة الإبلاغات في عملية غسل الأموال، أو تمويل الإرهاب أو الجرائم الاصلية الى رئاسة الادعاء العام لاتخاذ الاجراءات القانونية، وإشعار الجهات الرقابية او الجهات المختصة الاخرى باخلال أي مؤسسة مالية أو أعمال ومهن غير مالية محددة بأحكام القانون، والذي ما زال قاصراً حتى اليوم عن ضبط ما يجري في سوق مزاد العملة سيئة السمعة.
قاضي ومدعي عام