وسائل النقل النهري في بلاد الرافدين

منصة 2022/06/14
...

  محمدعلي جواد
 
لقد استخدمت الشعوب المتعاقبة التي سكنت بلاد وادي الرافدين منذ عصور ما قبل الميلاد وما بعده، عدة وسائل نقل نهريَّة منها القوارب الطويلة كالتي وجدت في المقبرة الملكية في أور والشبيهة بالقارب المشهور في أهوار جنوب العراق المسمّى (المشحوف) والمنحوت في كثير من الأختام الأسطوانية في العراق
القديم.
ولقد تم كذلك استخدام (الكلك) وهو مجموعة من أعواد الأشجار الطويلة والقوية مربوطة بعضها الى البعض الآخر بحبال قوية ويوضع أسفلها جلود الحيوانات المنفوخة لكي تطفو، ثم توضع فوقها البضائع ويقودها عدة أشخاص من عدة جهات حسب طول وعرض (الكلك). ويستطيع الكلك نقل سيارة من ضفة النهر الى الضفة
الأخرى.
وقد كانت القطع الآثارية الكثيرة من مدن بابل وخرسباد وغيرها قد حمَّلت في صناديق ووزعت بين عددٍ من (الأكلاك) في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وهي في طريقها الى متاحف العالم الشهيرة، عندما غرقت جميعها في نهر دجلة بمدينة القرنة التابعة للبصرة جنوب العراق ولم يتم العثور عليها حتى الآن والتي كانت تكفي لإنشاء أربعة متاحف عالميَّة ورغم أنَّ بعثة يابانيَّة ظلت تبحث عن الآثار الغارقة لمدة ستة أشهر في فترة السبعينيات من دون جدوى.
لقد استغل العراقيون القدامى تدفق نهري دجلة والفرات من الشمال والغرب العاليين الى وسط وجنوب العراق المنخفضين، إضافة الى استغلال اتجاه فروعهما، في نقل البضائع والأشخاص مع جريان النهرين العظيمين.
وكانت سيقان الأشجار الكبيرة والقوية والطويلة التي تستخدم لسقوف قاعات القصور الملكية، تُرسل عن طريق نهري دجلة والفرات من تركيا أو من لبنان فسوريا ويصاحبها مجموعة من الرجال الماهرين في السباحة، فضلاً عن بعض الحيوانات البريَّة لسحب سيقان الأشجار الثقيلة الى منتصف النهر عند توقفها حيث المنعطفات والمنحنيات النهريَّة.
ومن القوارب المشهورة أيضاً في بلاد الرافدين هو (القُفّه أو الكُفَّه – guffa) وهو قارب نهري مستدير، مطلي بالقير لمنع تسرب الماء الى داخله، وينقل عليه الأشخاص أو يُخصّص للبضائع والمحاصيل الزراعية، أو كليهما معاً. ويوجد نوعان من هذا القارب الأول صغير، وغالباً ما يكون للصيد النهري كالأسماك ويكفي شخصٌ واحدٌ لقيادته والثاني كبير ويحتاج من رجلين الى أربعة رجال للسيطرة عليه وتوجيهه بصورة صحيحة يتسع قارب (الكُفّه) الكبير لنحو من 20 - 25 شخصاً.
وكان قارب (الكُفّه) لا يزال مستخدماً في العراق الحديث حتى بعد الحرب العالمية الأولى ويبدو أنَّ الناس قد تركوا صنعه واستخدامه قبيل الحرب العالمية الثانية لدخول القوارب البخاريَّة للعراق في القرن الماضي ولم يعد له وجودٌ في الحياة النهريَّة العراقيَّة. وقد اعتقد بعض الرسامين والأدباء أنَّ سفينة نوح كانت مستديرة تشبه قارب
(الكُفّه).
ومن غرائب الصدف أنَّ القارب المدوّر المسمى (بوتي) لا يزال يستخدم الى الآن في بعض المحافظات الهندية وهو شبيه بالقارب العراقي (الكُفّه) ويتسع لنحو (15) شخصاً.
أما الأوربيون فقد صنعوا قارباً مدوراً صغيراً من مواد غير خشبية لصيد الأسماك مزوّداً بماطور بسيط يستطيع الجالس فيه قيادته والذهاب لمسافة (7)
أميال.
وبدورنا نتمنى ونناشد وزارة الثقافة والسياحة والآثار إعادة صنع هذا النوع من القوارب المستديرة (الكُفّه) ذات الحجم الكبير وجعله قارباً سياحياً مرتبطاً بتاريخ بلاد الرافدين وشعوبه العظيمة التي
أنتجتهُ.