ألا يكفي الشعوب العربية ماعانته من قهر الإرهاب والنزوح والحروب التي وقعت تحت وطأتها، والتي يدفع ثمنها المواطن البسيط لسنواتٍ طوال، ليترقب اليوم شبحاً جديداً حذرت منه الأمم المتحدة ألا وهو شبح المجاعة المخيف .
فقد أشار برنامج الأغذية العالمي إلى أنّه مايقارب من 12 مليون شخص في العالم يحتاجون للمساعدة من المنظمة، وأنّ الواقع ينذر بانفجار الأمن الغذائي في العالم، هذا بالتأكيد ما يرخي بظلاله على الدول العربية الهشة – دول مناطق الصراع وتصفية الحسابات – كالعراق وسوريا واليمن ولبنان .
ناهيك عن التأثيرات القاسية للحرب الروسية على أوكرانيا التي طالت هذه الدول.
ما يتعلق منها بالغذاء والنفط والغاز، إضافةً الى ما تعانيه تلك الدول من الهشاشة السياسية والاقتصادية، بسبب العقوبات الخانقة عليها ومحاولة النهوض من جديد بعدما نفضت عنها أوزار الحروب، والعودة للواجهة العربية وممارسة دورها ووجودها الإقليمي والعالمي، ومع ما يتردد من مخاوف لحدوث خلل في الأمن الغذائي العالمي، الذي يعتبر ظاهرة اجتماعية يجب أن تحظى باهتمام متزايد من الدول، والعمل على تحقيقه باستمرار، فإذا أردنا إدراك أهمية الأمن الغذائي، لوجدنا أنّه من ركائز التنمية والتطور الأساسية في أيّ دولة فهو يعني قدرة المجتمع على توفير الاحتياجات الغذائية اللازمة لجميع الأفراد مع ضمان عدم النقص في المستقبل بما يتناسب مع قدرة المواطنين بالحصول على الغذاء بسهولة، متوافقاً مع دخلهم.
ولاينفي ذلك ارتباطه الوثيق بالأمن الاجتماعي والبيئي والمائي، فهو يتحقق بتوفير مقوماته في الدولة، كالقدرة الإنتاجية ووجود السلع الغذائية وتوافرها، واستخدام التكنولوجيا التي ترفع من سويّة الزراعة والصناعة، وتشغّل اليد العاملة وتقوّي القدرة الشرائيّة
للمواطنين .
فالعراق الذي ما زال يعاني من الارتباك السياسي، تحاول حكومته جاهدةً إيجاد المخارج من الأزمات الطارئة.
وهذا ما دعا اللجنة المالية النيابية القيام بخطواتٍ متسارعة لإنضاج قانون الأمن الغذائي، مستشعرةً الخطر القادم على الشعب العراقي، ومستغلةً فائض عوائد النفط بعد ارتفاع أسعاره لينعكس على انتعاش المواطن العراقي، وذلك بالتخصيص الدقيق لمفردات البطاقة التموينية وتوسيع فئات المستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية .
إنّ هذه الوفرة المالية يجب أن توضع في حلّ أزمات العراق المتراكمة، ومنها تحسين الواقع الزراعي بتحسين نوعية البذور والأسمدة ومعالجة فترات شح المياه وقلّة الأمطار، مع تراجع منسوب الماء في دجلة والفرات،
ووضع بدائل حديثة بأساليب الري لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاساسية، وليس فقط الاعتماد على الاستيراد ذلك ما يعزز من الأمن الغذائي في
العراق .
إنّ هذا القانون قد يدعم الطبقات الهشّة والفقيرة في الدولة، خاصّةً مع الارتفاع الجنوني لأسعار السلع عالمّياً .
إنّ إقرار هذا القانون بالتزامن مع تأخر إقرار الموازنة لهذا العام، قد يكون إجراءً إسعافياً للوضع الحرج في الأمن الغذائي العالمي، الذي دقّ ناقوس الخطر مع نقصان مخازين القمح العالمية فضلاً عن إعلان الهند في شهر مايو/ آيار الماضي وقف تصدير قمحها، خوفا ًمن تراجع مخزونها الستراتيجي إذا ما استمرت الحرب الروسيا على أوكرانيا، هذا ما رفع أسعار القمح عالمياً، وربما استخدامه من قبل روسيا للضغط على مواقف بعض الدول بعد ما حظرت القمح الأوكراني وحاصرت ما يقرب 25 مليون طن في – أوديسا –
الأوكرانية.
ولس ببعيدٍ عن العراق فها هي جارتها سوريا، التي أنذر برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الفاو من حصول مجاعةٍ في الشهور القادمة .
فأزمة القمح هذه زادت من طوابير الأفران للحصول على مادة الخبز للمواطن السوري، الذي أثقل كاهله الحصار الاقتصادي الاميركي، وارتفاع أسعار السلع والمواد ما يفوق دخله بعشر مرّات، ما حرم السوريين من أبسط مقومات الحياة .
سوريا التي كانت من كبار منتجي القمح عربيّاً والتي كانت تصدّره في السنوات السابقة للحرب عليها، ليصبح إنتاجها الأخفض منذ خمسين عاماً في
العام 2021 .
ناهيك عن حركات النزوح التي شهدتها سوريا، بسبب الأحداث الإرهابية وانخفاض عدد المزارعين .
ومارافق ذلك من ارتفاع سعر الغاز الطبيعي الذي أثر في سعر السماد وقلل من هامش الربح للفلاحين، ولا يخفى أن سيطرة قسد على مناطق الشمال السوري التي تعتبر أجود مناطق زراعة القمح، وإلزام الفلاحين
ببيع القمح لهم تحت طائلة إلغاء التراخيص، بات اليوم أكثر من 60 % من السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و 90 % منهم يعيشون على خط الفقر حسب احصائيات الأمم
المتحدة .
الحكومة السورية التي ما زالت حتى اليوم تدعم النفط والخبز للمواطن السوري، مطالبة بالمزيد من الإجراءات، التي تحقق الأمن الغذائي في سوريا بما يتناسب مع الدخل الشهري للمواطنين، وإلّا فإنه حتماً ستحدث كارثة إنسانية حقيقية .