الشرق الأوسط الجديد.. من يرسم معالمه وكيف؟

آراء 2022/06/14
...

  محمد صالح صدقيان 
تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات غير عادية وغير سهلة، تنبئ بأجواء غير مريحة للأمن والاستقرار، وعلی الأقل أنها تؤشر إلی صيف حار وشديد السخونة.  الملفات التي تحرك هذه التطورات هي باختصار شديد؛ الملف الإيراني والملف الاسرائيلي اللذان يسيران بسرعة غير طبيعية، وكأنهما علی موعد مع أحداث وتقلبات معقدة.
 
الملف الايراني يتحرك بشكل دراماتيكي، حيث بدأ من القرار، الذي أصدره مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن ايران في الثامن من يونيو/ حزيران الجاري، وما رافقه من ردود أفعال سريعة من طهران حيال سلوك مدير الوكالة روفائيل غروسي، الذي تعتبره لا ينسجم مع مصداقية الوكالة.  لا أعتقد أن ترميم العلاقة بين غروسي، الذي زار إسرائيل قبل ثلاثة أيام من اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية وايران، سيكون ممكناً علی المدی القصير، اللهم الا اذا تمَّ التوصل لاتفاق في مفاوضات فيينا وهذا أمر لا يبدو سهل 
المنال. 
الملف الإسرائيلي ينطلق في تحركه الجديد من وجوده في قيادة العمليات الوسطی للجيش الاميركي المتمركزة في منطقة الشرق الأوسط، بعدما كان في قيادة العمليات الأوروبية. هذا التواجد أعطی اسرائيل مهمة ملء الفراغ الأميركي في المنطقة التي تريد صياغة منظومة أمنية إقليمية، تكون هي نواتها المتحركة في الوقت، الذي تمَّ طرح مشروع قانون في الكونغرس الأميركي، يدعو لستراتيجية تدمج الدفاعات الجوية لعدد من الدول العربية وإسرائيل، للتصدي لما سماه المشروع "اعتداءات ايران" ويطلب من البنتاغون تحضير ستراتيجية عمل مشتركة ووضع مقاربة دفاعية، لنشر قدرات جوية وصاروخية دفاعية لحماية المنطقة من "الاعتداءات الايرانية" والمجموعات المدعومة من طهران. 
امام هذين الملفين يبدو أن اسرائيل تتحرك بوضوح علی الملف الايراني، خصوصا بعد الزيارة المثيرة للجدل والمستفزة، التي قام بها روفائيل غروسي لإسرائيل قبل ايام من انعقاد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية في فيينا؛ والموقع الذي احتلته اسرائيل باعتبارها المكان الذي يمدّ الوكالة بالتقارير والمعلومات بشأن الدول الأعضاء في هذه الوكالة.
لا توجد معلومات تشير إلی ان طهران تريد الوقوع اسيرة الضغوط التي تمارسها اسرائيل؛ بل العكس من ذلك أنها بحاجة لذريعة لمهاجمة اسرائيل كما قال معاون الرئيس الايراني محسن رضائي؛ وستستغل جميع الامكانات المتاحة لمواجهة التحرك الاسرائيلي الجديد، بما في ذلك ما يتعلق بالحق الغازي المشترك مع لبنان "كاريش"، والذي يعتبر مهما لاسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا لاعتبارات تتعلق بحاجة الدول الأوروبية لمثل هذا الغاز، الذي تصر اسرائيل علی استخراجه من الحقل المشترك حتی قبل تسوية الحدود البحرية مع لبنان، وما واجهه من ردود افعال مثيرة من الفعاليات السياسية اللبنانية .
لا أريد الدخول في جدوی التعاون الاسرائيلي العربي الموجه لإيران، لكن الموقف الذي أبداه استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عبد الله الشايجي جدير بالانتباه عندما قال: إن "التحشيد الاسرائيلي ضد ايران الذي يجری حاليا، ليس من مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي، وليس من مصلحة هذه الدول أن تكون جزءاً منه"، وزاد إن "الحديث عن ناتو عربي خليجي بوجود اسرائيل هو مجرد خيالات لدی اسرائيل، التي تستغل تعثر الستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الاوسط . 
وتساءل الشايجي عن جدوی التصعيد مع طهران، في الوقت الذي يعلم الجميع أن اسرائيل لن تضحي بأي جندي من أجل حماية الخليجيين".
ما يتم لمسه من مجمل التطورات التي شاهدناها خلال الفترة القريبة الماضية وجود مواجهة قابلة للتصعيد بين ايران واسرائيل، تساهم الولايات المتحدة بتأجيجها بسبب استمرار سياساتها الخاطئة في الشرق 
الاوسط. صحيح أن إسرائيل اقتربت من الحدود الايرانية في بعض القواطع؛ لكن الصحيح أيضا أن إيران موجودة علی مرمی حجر من حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتتربص باسرائيل الدوائر إن كانت في المحيط السوري او اللبناني او الفلسطيني . واذا كانت اسرائيل تريد عاجزة توريط بعض الدول في مخططاتها مع ايران؛ فإن ايران مستعدة كما تقول للمنازلة في مواقع الصراع ومعادلات الرعب التي تعمل علی صياغتها منذ أربعة عقود. 
ليس من صالح دول المنطقة والإقليم بشكلٍ عام نشوب الحرب بين طهران وتل ابيب لأنها- كما قلت في مقال سابق- لن تنحصر في حدود معينة وإنما ستشمل جميع دول الإقليم، إضافة إلی أنها ستخلق معادلة جديدة للأمن والردع والاشتباك؛ اذا لم تعمل علی خلق "شرق أوسط جديد" لا يكون هذه المرة علی المقاساة الأميركية والإسرائيلية، وإنما علی مقاساة اقليمية تأخذ بنظر الاعتبار تداعيات الحرب الأوكرانية والأزمة الاقتصادية، التي تجتاح الدول الغربية وتحديدا الأوربية منها، إضافة إلی حاجة الإقليم للأمن المستدام، الذي بالتاكيد لن يكون فيه محل لاسرائيل .
هذا التصور تدركه الدولة العبرية جيدا وهي تعمل لتفادي حدوث المواجهة في حدودها، وانما تحاول اشراك مناطق من الشرق الأوسط في أية مواجهة محتملة مع ايران لتقسيم الضرر. ولا أعتقد أن هذه النقطة الستراتيجية غائبة عن أذهان دول المنطقة.