السياسة بوصفها ضربة نرد

آراء 2022/06/15
...

 رعد أطياف
 
أحسد هؤلاء الذين يحللون الوضع السياسي العراقي ويخرجون بخلاصات وافية. بل يدفعهم الحماس التحليلي بعيدا عبر استنطاق واقعنا السياسي بجهاز مفهومي ينتمي إلى المعجم الحديث.
مفاهيمُ متقدمة أفرزها النظام السياسي الحديث نحلل من خلالها مجتمعا تقليديا لم يقرر بعدُ ولوج الحداثة السياسية.
بنية اجتماعية وسياسية تدرج المفاهيم السياسية الحديثة في خانة المشكلات، وإذا تمَّ التعاطي مع مفهوم ما - الحرية على سبيل المثال وليس الحصر- باعتباره مشكلة، فسيُلقى به في خانة المُحَرّم الاجتماعي والسياسي، لأنّه يجري بالضد من القيم السائدة.
فاستثمار مفاهيمَ، مثل الديمقراطية، والحرية، في سوق رمزية لا يتوفر فيها طلب كافٍ على هذه المفاهيم، والعمل على استخدامها كأدوات نحلل بها الواقع السياسي، فهي لعمري مقامرة ومغامرة بالوقت نفسه. 
لذلك عندي من المبررات ما يكفي لحسد زملائي الذين يقامرون ويغامرون بتحليل واقعنا السياسي، بعِدّة مفهومية متطورة تصطدم مع مقررات المجتمع التقليدي. 
في الحقيقة لا ينفع مع هذا الوضع سوى ضربة نرد. ذلك أن النتائج التي تظهر على السطح بفعل حركة النرد هي نتائج تنتمي إلى قانون الصدفة.
موضوع السياسة في العراق لا يختلف عن “التفكير” في لعبة”الطاولي”، بينما يفكر معظمنا على طريقة لاعبي الشطرنج، التي تتطلب قدرا وافيا من التفكير المُنَظّم وحساب الخطوات بحرفية عالية.
لذلك نجد استعارات رمزية للعبة الشطرنج في السياسة الدولية، مثلما جاء في عنوان لكتاب شهير”رقعة الشطرنج الكبرى” لكبير الستراتيجيين الأميركيين (زبغنيو برجنسكي)، فلهذه الاستعارة ما يبررها بالتأكيد.
اللعبة السياسية في العراق هي لعبة “طاولي” بامتياز، أو إذا شئنا الدقّة، لعبة “محيبس” تعتمد بشكل عام على المهارات الفردية للاعب؛ يتمتع فيها بفراسة خاصة يمكنه من خلالها كشف المحيبس المختبئ في قبضة أحدهم. فضلا عمّا يرافقها من حماس يلهب الغرائز ويستبعد تماما التفكير العقلاني المُنَظم.  
لا يقع الذنب، بالتأكيد، على قصور العقل، بل على طبيعة اللعبة التي لا تحتاج عِدّة تحليلية بقدر ما ترتكز على الفراسة الشخصية. إنها لعبة أقرب إلى “فتّاح” الفال منها إلى المحلل المنهجي. 
على أي حال، لا معطيات واضحة تمنح الباحث القابلية على التنبؤ. فهذا الأخير يعتمد بشكل كليّ على مجموعة من البيانات المتراكمة والمعلومات التي تقدمها المؤسّسات البحثية. 
في فوضى المحيبس والطاولي هذه لا تنفعنا سوى لغة الفراسة الشخصية وضربة حظ. 
ذلك أن الفوضى دائما ما تحمل بشائرها من داخلها، يكفي أن تؤشر الى حالة ما فستجيبك الفوضى بسرعة بدهية فائقة، لأنها تفسر نفسها 
بنفسها.