علي نوري.. التسامي بالجسد الأنثويّ

استراحة 2022/06/18
...

 خضير الزيدي 
تعدّ مادتا الكرانيت والمرمر من أصعب المواد التي يتعامل معها النحّاتون، فهي تحتاج لمهارة وقوة بدنيَّة، أضف أن التعامل معها يحتاج لحساسيَّة خاصة من أجل الوصول إلى رباط وثيق يمسك به الفنان لإنتاج عمله التعبيري، وبحكم معرفتي بالفنان علي نوري والتواصل مع كل جديد منه فقد وجدت أن حرصه واهتمامه بمادة الكرانيت لم تزل حاضرة، فهي الأقرب لوجدانه من الخشب والبرونز وبعض المواد التي تدخل في العمل النحتي، وهذا لا يعني أنه يتقاطع أو لا يمارس الخامات الأخرى في استثماره واهتمامه بنشاطه الفني، ما يهما في سياق مهاراته وإنماط التعبير في مناطق اشتغاله تلك النزعة التجريبيّة والتعبيريّة التي ينتجها للمتلقي.
لقد أقام هذا الفنان معرضه الأول في قاعة حوار عام 2001 ثم جدد الاهتمام بمنجزه فقدم عام 2002 معرضه في قاعة دجلة، وكانت منحوتاته تغوينا لأنَّها كفيلة في بثِّ تصوره الفردي والذهني الذي يحقق إشكالاً مختلفة تحمل من التراكيب ما يجعلها بعيدة كل البعد عن الزخرفة والبهرجة الشكليَّة، إذ تترك مظهرا بنائيا يجلب النضارة لمن يتابع منحوتاته، ثم أنجز لنا معارض شخصيّة وجماعيّة، ولكن ما ميّزه معرض مصر عام 2009، وتركت يداه وخياله الفردي لمسات لنحت معاصر يمتلك من الخصائص الجماليّة والتعبيريّة، ما يجعلنا مشدودين لكل تلك النماذج وهي في الحقيقة قطع فنيّة فاتنة لها طابع شكلي مختلف سواء جاء ذلك في النحت المسطح أو المدور. 
وفّرت أعماله للمتلقي مساحة من التأمل مثلما حققت للفنان أصل مرجعياته ومصادر إلهامه كما نرى ذلك في أعماله التي تتخذ من الجسد الأنثوي طابعاً بنائيا لها. 
يشكل حضور الجسد الأنثوي سمة بارزة في أعماله سواء التي تحمل طابعاً تعبيرياً أو التي تقترب من النحت التجريدي الخالص.. تلك المنحوتات تخضع في تكوينها العام لتصور فكري يخرج من طابعه الايروتيكي إلى البناء الثقافي الاستثنائي الذي تتآلف في تنظيمه وضوح الغاية من العمل، فالجسد لم يكن مضطرباً أو شارد الذهن، بل يلزمه الاسترخاء والتوازن ويستخرج من طابعه الثقة من حيث البنية الخارجيّة، لا توجد خيبات في ملامح الوجه ولا أسرار تختلط فيها الإثارة، كل ما نراه في ذلك الجسد الأنثوي يستبعد الإثارة الحسيَّة، فتأتي طاقته الجماليّة متفرّدة لاعتبارات تتعلق بمهارة نوري وهو يتعامل مع مادة الكرانيت، ولأنّه لم يفكر باشتغال لم يزد من عمله إلا ثباتاً ورسوخاً أمام عشرات الأعمال التي ينتجها أقرانه من النحّاتين، هذه في تصوري جاءت (كرهان وهوية أسلوبيَّة) خالصة يبديها هذا الفنان المثابر، الرهان على أن الفن اليوم ينخرط في حياتنا ويعد بناؤه قيمة بصريّة تخرج من طابعه الغريزي إلى التخطيط المسبق بفن ذات
مسؤولية. 
أما عن هويته فهذا الأسلوب والاستمرار فيه يخضع لميول اجتماعية قدمها الفنان في عدم انتهاك الجسد الأنثوي والنظر إلى أدميته، مع أنه يبدي لذلك الجسد استعراضاً، حيث انتصاب النهد واستعراض المفاتن الأخرى، لكنه يمدنا بصورة غير منغلقة في تعبيريته، مهمته أن يبين أسرار ذلك الجمال الأدمي وكيف يخضع للتوافق بين المحيط والنفس الإنسانيّة.. إنّه نحّات يجتهد بقبضته وينتج هيئة من أشكال متنوّعة من أجل رؤية خطاب فني تتعالى فيه القيم الاجتماعيّة والثقافيّة السليمة التي تدافع عن 
المرأة. 
على العكس من منحوتاته التي تهتم بالمرأة يعتمد نوري على إحياء فكرة (الاضطراب) عند الرجل فتأخذ أعماله بعداً مختلفاً من حيث الرؤية الشكليّة، فهناك قصد في تشويه الجسد عند الرجل، وهي استعارة تبين لنا التفكير الداخلي ووظيفة الإدراك الحسي وما يجول في النفس البشريّة، تظهر النتوءات في الشكل كاضطراب داخلي وليس تحفيزاً جمالياً هذه الممارسة في فنّه تزيد من اتجاه تعبيري يدعو لفهم داخل الإنسان، فبقدر ما يحمل الفنان تكويناته النحتيَّة طاقة جذب لأثر جمالي تبدي من الجهة الأخرى ارتباطها بصراع معين أو انحراف له مسبباته، وإذا رأينا في منحوتات الجسد الأنثوي استرخاء وجلوساً نجد في عمل نحت الرجل قواماً منتصباً يمثل بهرجة وإحساساً بالتعالي، يظهر ذلك من حيث الحركة والاتجاه والقفز نحو الأعلى.. كل ذلك يبدي للمتلقي كشفاً تعبيريّاً يوحي بحالات سايكولوجية متعددة. 
ووفقا لما نراه من منجزه نجد أنه يحسن التوازن بين الدال والمدلول، ويذكرني كل ذلك بما أكده مؤلف كتاب (حرب الفن) ستيفن برسفيلد بقوله (أهم شيء في الفن هو العمل)، فكيف إذا كان محتوى العمل انتاج خطاب جمالي تتعالى فيه هواجس الرجل واضطرابه واسترخاء المرأة والنظر إلى خيال تتحقق فيه المتعة الحسيَّة والبصريَّة ويبدو الإيحاء سمة  شاخصة من مراتب المعرفة 
الفنيَّة.