حسين الذكر
في خطوة لم تكن مفاجئة، بل تعد جزءا من سياسات اعتمدها سماحة السيد مقتدى الصدر في تعاطيه مع المشهد العراقي العام، في ما يخص الانتخابات والبرلمان والحكومة والواقع الخدمي العام، فقد اعلن السيد انسحابه واستقالة جميع نوابه الفائزين في الانتخابات، كاول واقوى كتلة على الخارطة العراقية من الناحية التمثيلية النيابية وكذا الحضور الجماهيري على الأرض.
التحليلات متعددة والكل يضع فرضيات وآراء تتناسب مع مرجعيته وربما رغباته.
لكن الحقيقة التي يعيها الجميع تتمثل بأن الصدر رفع شعارا واحدا قبل الانتخابات وبعدها واثناء مراحل التفاوض، وما زال قائما، تمثل بحكومة قوية غير توافقية ولا محاصصاتية، يعول عليها في اجراء عملية التغيير المنشود خدماتيا ومؤسساتيا، بما يضمن تحسن الحال العراقي العام دون المساس بالحريات المفترضة، مثل الدين والرأي والجوهر الديمقراطي التعددي القائم.
للأسف الظروف والفرقاء السياسيين والمصالح المتقاطعة، ما كان منها خارجي او داخلي، فضلا عن عقبة دستورية الثلثين، وما فرضته من انتظار وإمكانية توافق بحد أدنى لم يتحدد، مما اضطر السيد لتغيير سياساته وتكتيكه، ذلك لا يعني انه اخلى الساحة وترك فوز كتلته ومسؤولياته، ليستفيد ويتنعم بها غيره بصورة تشبع رغباتهم – فذلك في السياسة والواقع العام يعد من أضغاث الأحلام.
الانسحابات الصدرية – إن جازت التسمية- الجديدة تدخل ضمن حسابات سياسية بحتة ربما أراد أن يوجه تحذير أخير يتضمن فرصة جديدة لبقية الأطراف حتى تلك التي تحالفت معه بالثلاثي، وربما لم يرق له طريقة غض تصرفها الضيقة ببعض الملفات.
ما جعله ينتفض بطريقته المعهودة ليضع الجميع على المحك والاختبار الحقيقي، ليبلغهم بان العراق لا يمتلك فرصة وفسحة من التوافق والمحاصصة المؤدية إلى فساد جديد، ولا يمكن قبول ذلك تحت أي عذر وتبرير، لا شعبيا ولا حزبيا ولا مرجعيا ولا داخليا ولا إقليميا ولا دوليا.
فجاءت الاستقالات ضمن هذا المنظور كفرصة أخيرة لتصحيح المسار ومكافحة الفساد والنهوض بملف الإصلاح، الذي لن يكون الصدر وكتلته بعيدة عنه، حتى وإن كانوا خارج البرلمان، فحضوره الميداني هو الأقوى والأكثر استعدادا وتأهبا وتأثيرا، برسالة واضحة تحمل في مضامينها الإصرار على المضي في ذات الهدف، المتمثل بحكومة قوية بأغلبية تبتعد عن الفساد وتقرر الإصلاح الحقيقي، وإلا فإن كل شيء قابل للتغيير والتعديل خلال ساعات وفقا لطريقة ورؤية السيد المعهودة.
من هنا يجب أن ينظر إلى خطوت التيار باعتبارها رسالة واضحة المعالم يخطئ الظن من لا يجيد فهمها والعمل بموجبها وطنيا، قبل أن يتصرف حزبيا او مذهبيا او قوميا، فالعراق والعراقيون يترقبون والعالم معهم، فهل من قراءة وفهم للواقع بصورة جديرة بالتعاطي والتخلي عن عواهن ماضٍ قريب، ومن ثم السير نحو عراق يتوق له الجميع قبل الطوفان. والله ولي الامر.