الحماية القانونيَّة للأسئلة الامتحانيَّة

آراء 2022/06/18
...

 القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي 
 
من المبادئ الدستورية في الدستور العراقي النافذ، والتي نصت عليها المادة 34 من الدستور أن التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع، وحق تكفله الدولة، وتعد الجرائم المتعلقة بالنتائج والاسئلة الامتحانية من الجرائم الماسة بمستوى التعليم القويم، فضلا عن ارتباطها بالجوانب الأخلاقية للقائم بمهمة التدريس ودليل صارخ على عدم الالتزام بالأعراف والتقاليد التربوية والأكاديمية، وتتنوع الجرائم المتعلقة بالأسئلة الامتحانية، ويتمثل 
أولها في تسريب الأسئلة الامتحانية، والتي يقصد بها عدم الحفاظ على سرية الأسئلة الامتحانية وتمريرها لبعض الطلبة بغير وجه حق قبل الامتحان، بغية الإطلاع على محتواها لأسباب مادية او معنوية او شخصية، الأمر الذي يترك أثرا مخربا وكبيرا، ببقية الطلبة لحساب فرد أو مجموعة أفراد، و بما لا يتلاءم او يتناسب مع الرسالة التربوية وأن الجرائم الامتحانية، فتتمثل في إفشاء الأسئلة الامتحانية وإظهار النماذج المعدّة للأسئلة الامتحانية، او جزء منها لأي شخص غير مخول بالإطلاع عليها قبل أداء الامتحان وفق النصوص المنظمة لها، وأن فكرة تجريم تسريب الأسئلة الامتحانية، لم تكن غائبة عن المشرّع العراقي، اذ بالرجوع إلى المادة (2) من نظام الامتحانات العامة رقم (18) لسنة 1987، نجد أنها ألزمت اللجنة الدائمة للامتحانات العامة التي يرأسها وكيل وزارة التربية بوجوب ضمان كتمان اسئلة الامتحانات العامة، فضلا عن إقرار مسؤولية أعضاء اللجنة التضامنية عن هذا الجرم، كما صدر القرار رقم (132) لسنة 1996، الذي نصَّ على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من سرب او أفشى أو ذاع أو تداول بصورة غير مشروعة، اسئلة الامتحانات المدرسية النهائية، أو اسئلة الامتحانات العامة، وتكون العقوبة
السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات، اذا كان مرتكب الجريمة عضوا في لجان الامتحانات، أو من واضعي أسئلتها أو مكلفا بنقلها أو بالحفاظ عليها، أو بتهيئتها او بتغليفها او بترجمتها، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة، اذا كانت الجريمة ناشئة عن تقصٍ أو إهمال، وتكون العقوبة الحبس لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، كل من ساعد على الغش، وتعتبر هذه الجرائم من الجرائم المخلّة بالشرف، كما اصدر المشرّع العراقي القرار رقم 57 لسنة 2000 الذي نص على تطبيق احكام القرار 132 على كل ما يتعلق بالامتحانات الفصلية والنهائية، التي تجري في الكليات والمعاهد التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتعد جريمة تسريب أو إفشاء الأسئلة من اكثر صور الجرائم شيوعا، اذ لا يتردد العديد من ذوي النفوس الضعيفة في استغلال حاجة الطالب ورغبته في النجاح، لغرض تسهيل عملية نجاحه في الامتحانات، وأن انتشار العبث بالائتمان الأكاديمي يهدد العلاقة بين الطالب والمؤسسة الأكاديمية، ويقضي على الثقة والاطمئنان، ويضرُّ بمصلحة المجتمع، وقد اعتبر المشرّع العراقي هذه الجريمة مستقلة عن الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، لكي يقطع دابر كل من يحاول استغلال الوظيفة، ولكي لا يفلت الجناة من العقاب، ونجد من الضروري تشريع قانون خاص بتجريم كل صور الخيانة العلمية، ومن ضمنها تسريب الأسئلة الامتحانية، وإن المصلحة المحميَّة في جريمة تسريب الاسئلة الامتحانية، تتمثل في تعلم الطلبة باعتبارهم أجيال المستقبل، الذين يتحملون
مسؤولية بناء الوطن، وإن نجاح الطالب دون تعلم هو نجاح لجاهل يضر حتما بمصالح المجتمع، فالثقة الممنوحة للمعلم والاستاذ من قبل المجتمع، هي الثقة التي رآها المشرّع جديرة بالحماية، كي يسود حسن النية في التعامل، وإن جريمة تسريب الاسئلة الامتحانية من الجرائم، التي تنخر في جسد المجتمع وكيانه، باعتبارها من جرائم الخطر، وإن العقوبات المقررة لهذه الجريمة جاءت منسجمة مع الحماية الدستورية لحق 
التعليم.