خصخصة التجنيد الإلزامي

آراء 2022/06/19
...

  محمد شريف أبو ميسم 
 
عاد الحديث مرة أخرى عن نية تشريع قانون التجنيد الالزامي، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات بشأن التضاد في شكل الدولة، التي تعمل بنظام اقتصاد سوق تقوده الرساميل الخاصة، مع تمويل مؤسسة عسكرية الزامية بوصفها مؤسسة استهلاكية عملاقة من قبل دافعي الضرائب، بما يوحي اننا أزاء خصخصة للتجنيد الالزامي في ظل نظام ديموقراطي يدافع عن الحريات الشخصية والحقوق المدنية، في ما يلزم فئات عمرية محددة بما لا ينسجم مع تحقيق هذه 
الحريات.
ولسنا هنا بصدد الاعتراض على هذا القانون، قدر البحث عن ملامح الدولة التي نحن بصددها لفك الاشتباك ومعايرة الحقوق مع الواجبات، في وقت كنا فيه وعلى مدار تسعة عشر عاما نتحدث عن نظام اقتصاد سوق، تقود فيه الرساميل الخاصة عملية التنمية في ما تتخلى الدولة عن وظائفها لصالح هذه الرساميل بموجب ما سمي بالاصلاح الاقتصادي، في وقت كانت خطوات التكيف الاقتصادي، تشير إلى ظهور ملامح نظام ليبرالية السوق في ظل عولمة اقتصادية، تحل فيه سلطة رأس المال محل سلطة الدولة. 
وفي كلا الحالتين المغايرتين لاقتصاد الدولة في النظم الشمولية تكون الحرية موضع تقديس واحترام، ليس لأنها مطلب جماهيري للأفراد العاجزين والضعفاء، بل لأن هيكل الدولة الليبرالية مبني على أساس ضمان الحرية والملكية الفردية، التي تتمتع بها سلطة الرساميل، وهي تدير شؤون الحياة، وبالتالي لا يمكن تشريع قوانين تتنافى مع الحرية التي تمنح بموجبها السلطة لصالح الرساميل، بوصفها روح الدولة الديمقراطية الضامنة لحقوق الانسان ولا يحق للتشكيلة السياسية أن تنتزع هذه الحرية من 
الأفراد.
من جانب آخر فان سلطة رأس المال في النظام الليبرالي، التي تحل محل سلطة الدولة بعد خصخصة وظائف هذه الأخيرة، هي التي تقوم بتمويل الوعاء الضريبي المسؤول عن الانفاق في الموازنات الحكومية، ولم تشهد تجارب النظم الليبرالية بالعالم إن قامت سلطة الرساميل بتمويل مؤسسة حكومية غير منتجة في زمن السلم، فضلا عن أن ملفات الدفاع والداخلية عادة ما تقوم عليها شركات العولمة الأمنية بإشراف الدولة عبر التعاقد مع هذه الشركات. 
وبهذا الصدد، فإن مرحلة التكيف نحو نظام ليبرالية السوق شهدت تشريع قانون الشركات الأمنية الخاصة رقم 52 لسنة 2017، الذي يجيز للحكومات التعاقد مع شركات العولمة الأمنية لادارة ملفات الأمن الداخلي والخارجي، بدءاً بالملفات اللوجستية والتدريب والتجهيز وادارة تكنولوجيا المعلومات، مرورا بحماية الشركات والشخصيات، وانتهاء بملفات ادارة السجون في اطار ما يسمى بعولمة السجون. 
فعن أي قانون تجنيد الزامي نتحدث؟.