د. حامد رحيم
نشرت مجلة ( (Foreign Policyالاميركية في العام 2012 تقريرا عن الفساد في العراق، وأشارت فيه الى أسبابه، ومن بينها “أنَّ حجم التدفقات الماليَّة في العراق تفوق قدرة الأجهزة الرقابيَّة”.
احتلَّ العراق مراتب متقدمة جدا في تصنيفات مؤشر مدركات الفساد ( (C.p.Iلمنظمة الشفافية العالمية على سبيل المثال في عام 2007 احتل المرتبة 178 من 180 دولة وفي عام 2013 جاء التصنيف ضمن مرتبة 171 من 175 دولة وفي عام 2016 فقد كان العراق في المرتبة 166 من 176 دولة، وهكذا بالنسبة للسنوات الأخرى فكل النتائج مقاربة لهذه التصنيفات.
وفق ثنائيَّة التدفقات الماليَّة والجهاز الرقابي، فالركن الأول تنامى بشكل كبير وظهر ذلك في تغيرات الناتج المحلي الإجمالي والذي شكلت الايرادات النفطية المساهم الأكبر فيه، بمعنى أنَّ الحكومة هي المهيمنة عليه التي تسير المالية العامة وسياساتها عبر أداتها الأساسية (الموازنة) والتي تعد بأسلوب (البنود) وتسمى في الادبيات الاقتصادية (بالموازنة الرقابيَّة) فهي لا تتعدى عن كونها مجموعة وقائع مالية يتم رصدها للتأكد من تطابق الواقعة المالية مع القوانين والضوابط النافذة.
أما الركن الثاني فقد ظهر عبر ثلاث محاور هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين وديوان الرقابة المالية مع جهات أخرى مثل اللجنة البرلمانية للنزاهة وأقسام الرقابة الداخلية في الوزارات والادعاء العام، وقد منح دور الصدارة في عملية مواجهة الفساد لهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين مع دور (ثانوي) لديوان الرقابة وفق قانونه رقم (31) لسنة 2011 الذي تضمن تحديد دوره بالمتابعة والرصد وإبداء الرأي وتقويم الخطط وغيرها من الأمور الإداريَّة، أما القضايا الكبرى فلا يحق له أن يحقق بها او يحيلها الى القضاء فقد نصت المادة (14) من قانونه “للديوان عند اكتشاف مخالفة أن يطلب من المفتش العام او هيئة النزاهة إجراء التحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة وإزالة المخالفة وآثارها”.
وهذه المادة الصريحة تشير الى سحب يد الديوان عن أي إجراء تحقيقي في الواقعة الماليَّة، وهذا خلاف المنطق فهو من أعرق المؤسسات الرقابيَّة في العراق تأسس منذ عام 1927 نظامه الداخلي وآلية عمله جاءت عن تراكمات كبيرة جدا وخبرات متواصلة، فهل من الصحيح أن تكبل يده وتسلب منه الصلاحيات لصالح مؤسستين حديثتين احداهما ثبت فشلها والدليل أنها حُلَّت بقرار برلماني في إطار “إجراءات إصلاحيَّة”!، وبما أنّه وفق قانونه تابع إداريا الى البرلمان فقد جاءت في المادة (6) خامسا “إجراء التحقيق الإداري في الأمور التي يطلب مجلس النواب إجراء التحقيق فيها” وهذه المادة كبلته الى حد كبير ورهنته للتوازنات السياسية بعيدا عن دوره
المفترض .
يبدو أن تهميش دور الديوان مع حداثة تشكيل هيئة النزاهة وفشل عمل مكتب المفتش العام شكل الثقل الأخر مع التدفقات المالية المسبب لظاهرة الفساد الكبير في العراق كما وصفت المجلة، ومن هنا ضرورة تعديل قانون الديوان وإعادة صلاحيات التحقيق والإحالة له مع رفع مستوى تمثيله في الوزارات كافة لعل ذلك يحقق مصدَّا للفساد المستشري مع التأكيد على وجوب توافر الإرادة السياسيَّة والرغبة الجامحة لمواجهة الفساد وأهم بوادر تلك الإرادة هي إسناد المهمة إلى أهلها.