ساطع راجي
انتقادات كثيرة توجه للدستور العراقي والقوانين المنظمة للعمل السياسي، ومن بينها عدم دقة ووضوح النصوص أو يقال عنها إنها «فضفاضة»، بينما هذه المرونة هي سمة أساسية لنصوص إدارة العمل السياسي، إذ ليس من المنطقي ولا الواقعي وضع حدود صارمة جدا لعملية غير مؤكدة النتائج وغير قابلة للتنبؤ، في بلاد معرضة لكثير من المتغيرات، وهي ما زالت تحبو على طريق الديمقراطية.
أسرفت القوى والشخصيات السياسية خلال الفترة الاخيرة كثيرا في استفساراتها الدستورية والقانونية، وليس للقضاء إلا أن يجيب، ونسي اللاجئون إلى القضاء أن كل تفسير قضائي سيؤدي إلى تضييق مسارات الحركة السياسية عليهم وعلى خصومهم، فالتفسير لا يصدر ضد “جهة” معينة، وانما عن “حالة” قد يحلُّ فيها أي طرف أو فريق سياسي.
كان من الأجدر بالقوى والشخصيات السياسية عدم تقديم الكثير من الاستفسارات للقضاء، حتى لو اعتقدت ان التفسير سيأتي متوافقا مع مصلحتها او رؤيتها، لأن الظروف في العراق سريعة التحول وبالتالي سيكون المنتفع اليوم من التفسير القضائي متضررا منه في المستقبل القريب. كلنا نتذكر كيف تضرر المستفيد من تفسير القضاء للكتلة الاكبر لاحقا، كما يتضرر اليوم أولئك الذين فرحوا قبل أيام بالتفسير القضائي للنصاب البرلماني اللازم لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فصاروا ملزمين بما ألزموا به غيرهم، وضيقوا على أنفسهم طرق التفاوض والتفاهم، مثلما ضيقوا على خصومهم وبالتالي على البلاد كلها.
إن الاسراع في اللجوء إلى القضاء واحراجه هو نتيجة لقصر النفس السياسي، وضيق الأفق والرغبة في تحقيق أكبر المكاسب بأقصر الطرق وأسرعها، وكأن العملية السياسية تعيش آخر أيامها، فلا انتخابات بعد هذه، ولا حكومة أخرى غير التي يريدون تشكيلها، وهؤلاء يتعاملون بالاسلوب نفسه مع ادارة الدولة والاقتصاد، فتفشل المشاريع او تتوقف وتنهار الابنية او يلحقها التلف بسرعة ويظهر النقص والاخطاء والمغالطات في التشريعات المتسرعة، ويحدث هذا ربما لأنهم لم يتوقعوا استمرار البلاد ونظامها السياسي لحين انتهاء مشاريعهم ومقاولاتهم، فوضعوا رقابنا جميعا في مشنقة ما يتوهمونه
وضوحا.