د. علي كريم خضير
من المفيد أنَّ بعض التجارب الدولية في النزاعات المسلحة تفرض على بقية الدول الأخرى أخذ الدروس المستنبطة من هذا الصراع ومحاولة تفادي الوقوع في الأخطاء نفسها، من أجل الحفاظ على هيبة الدولة وترسيخ فكرة الأمن والسلام وتقوية الروابط بين الدول وفق سياقات وأعراف تنتهجها الحكومات في استدامة المصالح المشتركة بينهم.
ولا يمكننا أن نفهم البتة، بأن البلدان تتطور وتسير على خطوات عملية في التنمية إذا كانت تعيش أوضاعاً مضطربة، وتعمل بكيفيات خارج أُطر الواقع أو العمل المشترك مع الآخر، الذي يتكامل بوساطته جسد الأمة وهيكلها. وتكاد تكون خلجات هذا التفكير هي أهم ما يميِّز الشعوب القوية، التي تحرص على كتابة تاريخها الحاضر، ليكون نبراساً للأجيال المقبلة.
وإذا قرأنا واقعنا العراقي اليوم، نستشعر الحرج والخيبة من هذا التناحر الذي بلغ أقصاه، ابتداءً من تضارب الأفكار والرؤى، إلى تسجيل وقائع غير قانونية أو دستورية في العمل السياسي حفلت بها أحداث كثيرة، قادت البلد في الماضي القريب إلى حافة الهاوية لولا تدارك المرجعية الرشيدة للأمر في الوقت المناسب.
وليس من المستبعد أن تُعاد الكرَّة من جديد في حال لو بقيت الأمور على ما هي عليه، من احتدام المواقف والمصالح بين الأطراف السياسية جميعها، وكأنَّنا نعيش ولادة جديدة وليست تجربة طويلة، امتدت قرابة عشرين عاماً، كان على السياسيين فيها بناء الإنسان العراقي الجديد بطريقةٍ يشعر فيها بالثقة في النفس ويلفظ الأفكار المستوردة والاستقواء بالغير، أسلوباً في هدم جسور المحبة وتفعيل الأعمال العدائية بهدف ترويع المجتمع واسكاته أو خلط الأوراق أمامه، والتي ينبغي مقاومتها بالتربية الصحيحة للنشء وتكثيف الجهود لتقويمها بالخطط الهادفة من قبل الدولة.
لذا أصبح لزاماً أن يدرك الجميع أنَّ الوحدة الوطنية هي خلاصنا الوحيد، ومن دونها سوف تتقاذفنا الويلات، وسنظل نتباكى على بلدٍ هو أول من علَّم البشرية القراءة والكتابة، وسجلت فيه الحضارة الأسلامية أبهى مجدها الخالد.
وليست العبرة في أن نؤمّن حياتنا من الجوع والعُري والعطش- وإنْ يُعدُّ ذلك من المسلَّمات الرئيسة- ولكن يجب أن يكون لنا دورنا الفاعل في الحياة، نؤثر في الآخرين بقدر تأثيرهم علينا إنْ لم نقل بأكثر منه. ذلك لضرورة اعتدال ميزان القوى وأحقية فرض وجودنا، وفقاً للطموح الإنساني المشروع.