سالم مشكور
لم أجد أي بشرى تزّفها وزارة المالية بتعيين آلاف الخريجين بصفة عقد كما صدر عن الوزارة. هذا الاجراء هو تحويل الخريجين من البطالة الظاهرة إلى البطالة المقنّعة. نعم، من سيتم تعيينهم لن يحصلوا على فرصة عمل، بل سينضمون إلى جيش العاطلين عن العمل، الذين تعجّ بهم دوائر الدولة باستثناء قطاعات مثل التعليم والصحة. فرق البطالة المقنعة عن الظاهرة هي أن أفراد جيش العاطلين المقنعين يتسلمون رواتب، والتي تبدو هدفاً للتعيين بدلا من أن يكون الهدف فرصة عمل منتج مقابل أجر عادل. فضلا عن أن الخرّيجين الذين تلقوا “بشارة” التعيين سيكونون بصفة عقود وبراتب زهيد جداً، لا يسد حتى حاجاتهم الدنيا. هكذا سيكون تعيينهم أقرب ما يكون إلى قبولهم بشبكة الرعاية الاجتماعية. الحكومة بهذه “البشارة” قد تحقق مكسباً شكلياً، لكنها تسهم في تعميق أزمة الاقتصاد العراقي عبر تضخيم الجهاز الإداري المنتفخ أساساً، والذي يشكل عبئاً كبيرا على الموازنة التي يذهب أغلبها إلى الرواتب. هل المطلوب من الحكومة ترك العاطلين عن العمل بدون حل؟. بالتأكيد لا. واجب الحكومة ان تجد فرص عمل لمن هم في سن العمل، وليس وظائف حكومية بدون أي عمل حقيقي. الحكومة عليها أن تفعل ذلك من خلال دعم القطاع الخاص لتوسيعه بالشكل الذي يستوعب جيوش العاطلين عن العمل، والذين يزداد عددهم باستمرار. عدد نفوس أميركا يبلغ 330 مليون، لكن عدد الموظفين الفيدراليين لا يتجاوز الثلاثة ملايين، بينما لدينا أربعة ملايين موظف في عراق تبلغ نفوسه ثلاثين مليونا. حتى الوزارات في اميركا - بما فيها الخارجية والدفاع- توكل الكثير من أعمالها إلى شركات خاصة. القطاع الخاص هو الذي يستوعب العمالة، بأجور أعلى من راتب الوظيفة الرسمية، وفرص للتطور والابداع الشخصي مقابل خمول وكسل وبطء في العمل، تورثه الوظيفة الحكومية، حتى في الدول الغربية. لكن القطاع الخاص لا يمكنه الإنجاز وتشغيل الموظفين وضمان حقوقهم دون توفر شرطين: ففضلا عن توفير التسهيلات الإدارية وحماية الأمنية الرسمية، لا بدَّ من رقابة رسمية لعمل القطاع الخاص لضمان جودة السلع والخدمات، وفي الوقت ذاته مراقبة تشغيل الموظفين في هذا القطاع ضمن الاليات القانونية التي تحمي حقوقهم، من خلال العقود العادلة المحددة لواجبات وحقوق الموظفين. أيضا مطلوب من الحكومة تطبيق قانون واضح يساوي بين العمل في القطاع الخاص والعام، من حيث الحقوق التقاعدية، وهذا ما تعمل به كل الدول ذات الاقتصاد الحرّ. لو توفر كل هذا فسيكون سهلا مكافحة ثقافة البحث عن تعيين بدلا من فرصة عمل منتجة.
من دون العمل الجاد لخلق قطاع خاص نشيط وفاعل، ستبقى الدولة عبارة عن جمعية ترعى شؤون ملايين العاطلين باسم الموظفين، من عائدات النفط المعرّضة أسعاره للانهيار كما حدث أكثر من مرّة.