نسيان المعاناة

آراء 2022/06/22
...

 رعد أطياف
 
لماذا يصر الإنسان على الوقوع بذات الأخطاء؟ بتعبير آخر، لماذا يبدو الإنسان مسلوب الإرادة في كثير من الأحيان؟ إنه يكابد صعوبات جمّة للتحلي بالفضائل الجيدة، مثل الكرم، والتواضع، والصبر.. إلخ. 
دائماً ما نسوق حجة جاهزة للجواب على هذه الأسئلة: إن الآخر يدفعنا بتصرفاته الحمقاء للوقوع بالمحذور.. معنى هذا نحن نتساوى مع الآخر من حيث الفشل. 
وبمعنى آخر: كلنا نعاني مع اختلاف الدرجات. 
فإذا كان الآخر غبياً، فأنا أقابله بالغضب منه، وإذا كان ثرثاراً، فأقابله بنفاد الصبر، وإذا كان جاهلاً، فأقابله بالتكبر. الخ. 
ويبدو هنا الدواء أسوأ من الداء.
فبينما ينبغي علي إيجاد الترياق المناسب، أجد نفسي منقاداً بتأثير السم بإضافة خلطة جديدة لهذا السم!. 
يظهر أن بعض الدوافع التي تدفعنا لانتهاج مثل هذه السلوكيات هو شعورنا بالأهمية أكثر من الآخرين. 
ثمّة شعور منسيّ لدى الكائن البشري يفاقم هذه الحالة وهو نسيان المعاناة.
عدم التفكر بها، وضعها في خانة المهملات.
أستطيع أن أدرك تسعة عيوب في الآخر لكنّي أدرك عيباً واحداً في نفسي.
يمكنني اختلاق سلسلة طويلة من الاعذار للعيب الذي اقترفته، لكنّي أتجاهل كلياً فكرة التبرير لعيوب الآخرين.
حسناً إن كان ولا بد من ذلك، أعني عدم القدرة على التبرير للآخرين، فثمّة نصيحة مجانية يسديها بعض المعلمين مفادها: يمكن لعيوب الآخرين أن تغدو مرآةً لنفسي، تساعدني على أخذ العبرة بفترة قياسية بدلاً من استهلاك العمر للغرق في الآخرين. 
بعض الأحيان أواجه أشخاصاً ثرثارين فيبدأ خزّان القيم الذي لا يرحم وأُبدي امتعاضي من هؤلاء، علماً أن ثرثرتي في أحيان ليست بالقليلة لا تقل عنهم، لكن ماذا نفعل بهذا الشيطان، الذي يطلق على نفسه صفة “الاعتزاز بالذات”؟! والذي يبيح لنفسه ما يمتعضه من الآخرين.
كذلك يتكلم المعلمون عن طريقة أخرى يبدو أنها اسرع من الاولى، رغم التداخل والتشابه في ما بينهما، وهي: أن الآخر يعاني مثلما أعاني، لكنه يختلف عن معاناتي؛ فانا، مثلاً أعاني من التساهل مع الكذب بينما هو يعاني من الغضب؛ أنا أعاني من قلة الفهم بينما هو يعاني من التجاهل، انا متكبر وهو خجول.. الخ. 
فمثلما نرى لا مفاضلة في المعاناة رغم اختلاف درجاتها وتأثيرها، لكنها محكومة بسلطة الجهل.
وهذا الأخير يعني تزييف الواقع وانعدام الرؤية للأشياء كما هي.
خلاصة الأمر: الآخر مرآة لي ويكشف المستور من عيوبي، والآخر مصدر من مصادر الرحمة العظيمة، فبسببه أصبحت رحيماً بنفسي والآخرين، فهو ليس جحيمًا على الإطلاق.