سيادة الهامش

ثقافة شعبية 2022/06/22
...

كاظم غيلان 
يتغاضى المثقف العربي عن هزيمته دائما دون الافصاح عن أسبابها، وإن أراد فيسارع لجلد ذاته، وفي الحالتين يظل خاسراً.
ثقافتنا - ولسوء حظها طبعا- ارتبطت بتقلبات السياسة ومتغيراتها حتى غدت تمارس وظيفتها التي لا تتعدى تقديم خدماتها للمؤسسة السياسية، رؤساءً وملوكا وأصحاب سمو وشيوخا ....الخ . ارتبطت الثقافة العربية بظاهرة جمال عبد الناصر فغدت ناصرية الهوى أكثر من ناصر نفسه، وكادت الثقافة العربية أن تستقيل حين استقال، وسادتها الفاجعة يوم مات، وحين أطل عليها صدام حسين كحارس للبوابة الشرقية وقاهر اسرائيل بصواريخه كبطل تحرير قومي راحت ترتدي ثيابا صدامية، ولنا في مهرجانات المربد بعقد الثمانينيات شاهد اثبات صارخ لشراء ذمم كبار الشعراء العرب.
الثقافة حين تجند كل ما فيها من طاقة لخدمة مشاريع السياسة إنما تزيح مضامينها الجوهرية وترفع من شأن الهامش وتعمل على تسيده لمشهدها، فكل ما تحتاجه سيكون تحت طلباتها والإعلام بكل تفرعاته،  فضائيات، إذاعات، مجلات، صحف ....الخ.
لا يختلف شأن الثقافة العربية عن مؤتمرات القمة هزالة، إلا أنها سيادة وماعداها هامش، هكذا هو حساب العربي قارئا ومشاهدا.
في عراقنا الجديد بعد سقوط نظام صدام اتسعت ساحة الحرية وأعلن الكبت الفكري- الثقافي عن نهاية حقبته لكن سرعان ما عقدت ثقافتنا قرانها لزواجات جديدة، وابتدأ مشروع الفوضى الخلاقة يسارع بجني ثماره، إذ غيبت الثقافة - الجوهر، وراحت ثقافة الطوائف تتناسل وتتسع حتى بلغنا ظاهرة (المثقف المليشياوي)!  
في شعر العامية العراقية أكثر من مشروع لتبني سيادة الهامش ورفع شأنه بدلالة وسائل إعلام تقدم خدماتها بكل ما فيها من بؤس ورثاثة، مهرجانات، مسابقات خاوية، بل وتعدى الأمر وصولا لسيادة - ثقافة الصراخ-  والعودة السريعة الحادة لظاهرة شاعر القبيلة - المهوال - ودعمها وتمويلها وتشجيعها، إنها العودة إلى أزمنة غابرة، وكأن من يقوم بها يصرخ بنا: دعوا الحاضر، وانسوا المستقبل تماماً. 
إن ثنائية كهذه وأعني المتن والهامش تقتضي دراسة وتحليلا عميقين لطبيعة ثقافتنا، شرط التخلي عن مزايداتنا ومفاخرنا كمؤسسين لأعرق الحضارات ومبتكرين للحرف الأول في اللغة، فكل ما حصلنا عليه من امتيازات تفوق ما حصلت عليه الشعوب والأمم لم يعد بالأهمية بمكان إن بقي الهامش في ثقافتنا آداباً وفنونا هو المتسيد. ثمة من يزعجه هذا كله لولعه بقراءة تاريخ أوغل الهامشيون في تزويره لكي يظل المتن بعيدا او غائبا.