عبدالزهرة محمد الهنداوي
اختلف قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، الذي صوّت عليه مجلس النواب مؤخرا، وعُدّ نافذا من تاريخ التصويت عليه، اختلف عن سواه من القوانين، من حيث سعة مساحة الجدل والخلاف والاختلاف بشأنه، لا سيما، في المرحلة التي سبقت التصويت عليه، ولكن في نهاية المطاف مرّ القانون، وبدأت الجهات الحكومية المعنية، (التخطيط والمالية) العمل على إعداد التعليمات الخاصة بتنفيذ مواد القانون بشقيه، الاستثماري والتشغيلي.
وقراءة سريعة في مواد وفقرات قانون الدعم الطارئ للامن الغذائي والتنمية، نلاحظ بوضوح التوسع الكبير للكثير من المفاصل، التي ربما يراها البعض، أنّها لاتمت بصلة، لا إلى الأمن الغذائي، ولا الى التنمية، ولكن في واقع الحال أن الأمر ليس كذلك، فالأمن الغذائي لا ينحصر في توفير الخبز فقط، ولا التنمية تقتصر على تنفيذ المشاريع تحديدا، ولهذا ذهب مشرّعو القانون بعيدا، ليضمنوا ديمومة الحياة بجميع مفاصلها، في ظل عدم وجود الموازنة، وقد رافق غياب الموازنة هذا، ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الغذائيّة والاستهلاكيّة والإنشائيّة، ومن ثم فإنَّ نسبة الصرف البالغة ١/١٢ من حجم الانفاق للعام السابق، وفقا لقانون الإدارة الماليّة لسنة ٢٠١٩، لم تعد تغطي متطلبات الانفاق المالي المطلوب، وكان يمكن للمشهد ان يصبح اكثر تعقيدا، لو أن أسعار النفط لم تشهد ذلك الارتفاع في أسعارها، الأمر الذي وفرّ فائضا ماليا كبيرا، وهنا كانت المعادلة صعبة، معادلة بثلاثة مسارات تبدو متقاطعة، مسار يرتبط بغياب الموازنة، وآخر يتصل بارتفاع أسعار الغذاء والدواء وكل شيء على مستوى العالم، ومسار ثالث، يتمثل بوجود فائض مالي كبير، فجاء القانون ليحتوي هذه الاضلاع، ويخرج بمعادلة يمكن من خلالها خلق حالة من الامان في الشارع، وتبديد المخاوف لدى الناس.
ومن دون أدنى شك أن هناك الكثير من الملاحظات التي ترقى الى مستوى الانتقاد للقانون، لعل من بينها تلك الاشكالية الكبيرة التي سقط فيها القانون، عندما ساوى بين المحافظات بمنح كل واحدة منها (١٠٠٠) درجة وظيفية بصيغة التعاقد وبراتب شهري مقداره ٣٠٠ الف دينار لمدة ٣ سنوات، اذ لم ينظر القانون الى الحجوم السكانية للمحافظات، فليس من العدالة بمكان أن تتساوى محافظة تعداد سكانها (٤) ملايين نسمة مثلا، مع أخرى يبلغ سكانها نصف هذا العدد، ولذلك أتوقع أن تخلق هذه الجزئية مشكلة سيواجهها المحافظون، ففضلا عن عدم عدالتها، فإنها ستحرك الكثير من الشباب للمطالبة بالتعيين، ولكن في المقابل، فقد منح القانون برنامج تنمية الاقاليم تخصيصات جيدة وصلت الى (8) ترليونات دينار، يمكن أن تسهم في دفع وتيرة إنجاز المشاريع المتوقفة والمتلكئة في المحافظات.
وكما قلنا، إن القانون توسع كثيرا، حتى عدّه البعض موازنة مصغرة للبلد، سواء من حيث التخصيصات الماليّة التي تضمنها (26) ترليون دينار، فضلا عن المصادر الأخرى، وكذلك من حيث المفاصل التي شملها بدءًا من تحسين مفردات البطاقة التموينيّة، وتسديد ديون الكهرباء، والعقود الوظيفيّة، وشبكة الحماية الاجتماعيّة، ودعم وزارات الزراعة، والنفط، والإعمار، والموارد المائيّة، والتربية، كما أنَّ القانون خصّ عددا من المحافظات بتخصيصات ماليّة إضافية، آخذا بنظر الاعتبار نسب الفقر في تلك المحافظات ومنها الديوانية والمثنى وبابل وميسان، وواسط، وصلاح الدين، وسوى ذلك من الفقرات التي غطاها القانون، ولذلك فإن قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، والتنمية، وبالرغم من كل الملاحظات والانتقادات التي أثيرت بشأنه، وبعضها كان منطقيّا، فأعتقد أنه جاء في الوقت المناسب، لمواجهة أزمة حادة كان يمكن ان يواجهها البلد، في ظل عدم صلاحية الحكومة الحالية، تقديم قانون الموازنة، وفقا لتفسير المحكمة الاتحاديّة.