التحالفات السياسيَّة والضرورة الوطنيَّة

آراء 2022/06/22
...

 مهند الهلالي
 
تمر البلاد في حالة ظرفية زمانية استثنائية ربما غير مسبوقة، منذ التغيير السياسي الحاصل عام ألفين وثلاثة وحتى الآن، ألا وهي حالة الانسداد السياسي الذي نراه بات أكثر ضبابية، بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية، التي على ما يبدو فإنها ستكون قطعية لا رجعة فيها، وبالتالي فإن آفاق الحلول التي من شأنها إيجاد أرضية مشتركة لحكومة جامعة باتت أكثر تعقيدا من المرحلة التي سبقت تلك الاستقالة .
على أية حال فإن العراق امام خيارات عدة من بينها تشكيل حكومة تحالفية من اقطاب أخرى، يكون التيار الصدري خارجها، وعندها ستكون المعارضة الشعبية قوية وحاضرة، وهذا الخيار سيكون مثله مثل السلاح ذي حدين، فإما تكون تلك المعارضة إيجابية مقومة لعمل الحكومة، او أنها قد تعيد حالة الغليان الشعبي، وعندها قد يدخل البلاد بأكثر من احتمال وبالأخص في ما يتعلق بالتدخلات الخارجية لتلك الأحداث، وخطورة مدياتها بالشكل الذي يخرج أي حراك عن أهدافه الوطنية السامية .
إن الضرورة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها العراق تستوجب التوقف عند بعض النقاط التي نراها مهمة ومن بينها الالتفات إلى القضايا، التي تهم الشارع ربما بدرجة اكثر من الذي يحصل بين دهاليز السياسة وغرفها المظلمة، كما تبرز أيضا ضرورة تغليب مصالح البلاد على المستويات الاقتصادية والسياسية، وبالأخص ما يتعلق بالسيادة منها في وقت تتعرض البلاد لانتهاكات متكررة خارجية، سواء على الصعيد الإقليمي او الدولي .
لذا فأن من البدهي تأجيل الخلافات الداخلية إن وجدت وتقديم الملفات، التي تحظى بإجماع وطني سياسي وشعبي لتحقيق أرضية مشتركة لعمل وطني جامع نستطيع من خلاله تحقيق بعض المنجزات، التي اما تأخرت او عجز السياسيين عن تحقيقها، خلال سنوات طويلة مضت سواء بقصد او من دونه، وهذا ما تحدده النيات ودرجة صدقيتها لمن تحملوا مسؤولية القرار على مدى تلك السنوات .
كما أن التحالفات السياسية المقبلة لا بدَّ لها من تجاوز عقد الماضي، والذي يضفي الطابع الشخصي على غالبيتها، وبالتالي فإن المشتركات الستراتيجية الوطنية ستتطغي على المنهاج السياسي لها، فيكون أساسا لمنهاج حكومي خدمي تكون ضمن اكبر أولوياته الشارع البسيط وضرورات المواطن، الذي كان على مدى عقدين آخر أولويات الطبقة السياسية المتصدية لمنظومة الحكم في البلاد، اما من حيث الملفات السياسية السيادية فإنها ستكون جامعة أيضا لمكوناتها، كونها تحظى بمباركة جميع القوى السياسية أيضا، فالمشكلة لا تكمن بعدم الرغبة في تقديم الخدمات للناس او التفريط بالسيادة او منع الخروق أو التدخلات الخارجية، بل بالأسلوب المتبع والذي يؤدي أحيانا إلى تضرر المصالح الشخصية لهذا الطرف ا
و ذاك .
ولا يخفى على القارئ الكريم أن قيام حكومة منسجمة منهجيا على الأقل، إن لم يكن أيديولوجيا من شأنه تأسيس او فتح طريق معبد لها للنجاح، وهذا ما عجزت عنه ربما الحكومات السابقة التي كان تشكيلها أكثر يسرا من الحكومة المقبلة، غير أن روح المصالح الخاصة كانت غالبة عليها، بينما نرى وسط التشاؤم بادرة أمل في تشكيل حكومة مغايرة هذه المرة، تضع بين أهم أولوياتها المواطن، كونها ستخرج من رحم المعاناة والمشكلات، فسيجعلها مضطرة للنظر بتلك الأولويات نظرة واقعية لا هامشية، كما كان في السابق، وبالتالي فإنها ستجد نفسها مضطرة للتعامل مع أساسيات المرحلة، التي باتت اليوم فيصلا في بقاء الاستقرار او انتهائه في البلاد.