د . صادق كاظم
تشهد بعض المناطق في بغداد حملة غير مسبوقة من قبل لتبليط واكساء الشوارع, إضافة إلى إقامة جسور لعبور المشاة على الطرقات السريعة، والمدهش أن سكان هذه المناطق وضعوا لافتات يشكرون فيها بعضا من أعضاء مجلس النواب على جهودهم في تبليط مناطقهم بالاسفلت، تعبيرا عن فرحة عامرة غمرت قلوبهم، وهم يشاهدون آليات حكومية تبّلط هذه الشوارع بعد غياب دام أكثر من 30 سنة، رغم أن عملية اكساء الشوارع بالاسفلت ليست عملية صعبة ومكلفة, بل هي عملية تقليدية وبسيطة وحتى أن مادة الاسفلت متوفرة من بقايا عملية التصفية في المصافي الحكومية
أصلا.
المؤسف أن هذه الحالة تؤشر غيابا واضحا لأجهزة الدولة الخدمية، وعدم جديتها في القيام بحملات إعمار في مختلف مناطق العاصمة بغداد، التي باتت تحتل مكانة غير لائقة بها في جدول العواصم المتطورة عالميا, بل إن مداخل العاصمة نفسها عبارة عن شوارع ترابية وفوضوية لا جمالية ولا عمران حقيقيا فيها, بل مجرد خرائب وطرق صحراوية تذكرنا بعصور القرون الوسطى تعكس الاهمال الكبير واللامبالاة بتطوير مدخل عاصمة مهمة في المنطقة، تجعل كلَّ واحدٍ منا يشعر بالألم تجاهها.
هذا التجاهل الحكومي يعود في غالبية أسبابه إلى الفساد المالي والاداري وسيطرة بعض المافيات الخطيرة على ملف الخدمات وتجييره لصالحها وتحويل اموال تلك العقود إلى شركات محسوبة عليها، تحظى بحمايتها وتحول دون محاسبتها او مساءلتها، ما يجعل من هذه الشركات تتردد في تنفيذ هذه العقود، وتتلكأ في تنفيذها، ما انعكس سلبا وخرابا على شوارع وأزقة العاصمة بغداد، التي لم تعد تنافسا حتى بعض المحافظات في البلاد، التي استطاعت بفضل كفاءة القائمين على ملف الإعمار فيها، ونزاهتهم أن يجعلوا من مدنهم واحاتٍ خضراءً
وجميلة .
دخول بعض الأعضاء المنتخبين حاليا على ملف الإعمار وتحريكه لصالح مناطقهم الانتخابية، يعطي مؤشرا جيدا على حراك نيابي يسهم في نقل أزمات المواطنين ومطالبهم إلى الحكومة، ويسهم في حلها بعد غياب طويل سابقا, لكنه يؤشر ضعفا واضحا في اداء المؤسسات الحكومية المعنية، التي تنتظر تدخلا سياسيا عالي المستوى لكي تتحرك وتقوم بتقديم خدماتها إلى المواطنين في وقت يفترض فيه بأن يكون هذا العمل من صميم واجبها، ومن دون الحاجة إلى تدخل لكي تقوم بأعمالها، وهي حالة كانت ولا تزال موجودة منذ التغيير وحتى الآن, حيث لم يشيد مشروع عمراني أو خدمي واحد يستحق أن يذكر, اذ غابت المشاريع لتطوير قطاع النقل والإسكان، خصوصا مشاريع المترو والقطارات المعلقة والطرقات السريعة والمدن السكنية الجديدة عند أطراف العاصمة، بدلا من وسطها المزدحم والمختنق أصلا كما موجود في معظم عواصم المنطقة.
إن اكساء شارع في زقاق أمر ليس خارقا او إعجازيا في عصرنا الراهن، الذي تخطت فيه معظم دول العالم مثل هذه الامور, بل إنها أخذت تفكر في التعامل مع تكنولوجيا عصرية وحديثة كالمدن الذكية والطاقات المتجددة واستخدام الحوكمة في ادارة مؤسسات الدولة واقامة برامج لغزو الفضاء وتبسيط التعاملات والاجراءات للمواطنين وغيرها، بينما ما زلنا نحلم بزقاق مبلط بالاسفلت وبكهرباء لا تنطفئ، ومياه شرب وفيرة لا تنقطع، وهذا اقصى ما يتمناه المواطنون في
بلدنا .